الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص234
أحدهما : يكون ذلك إكراهاً في أمثالهم ، لما يلحقهم من وهن والجاه ، وألم الغلب .
والوجه الثاني : لا يكون إكراهاً ، لأن الناس قد علموا أنهم مظلومون به ، والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن ينظر حال الإنسان فإن كان من أهل الدنيا وطالبي فيها الرتب ، كان ذلك إكراها في مثله ، لأنه ينقص ذلك من جاهه بين نظرائه ، وإن كان من أهل الآخرة وذوي الزهادة في الدنيا ، لم يكن ذلك إكراهاً في مثله ، لأنه لا ينقص ذلك من جاهه بين نظرائه ، بل ربما كان إعلاء لذكره مع كثرة صوابه ، هذا مالك بن أنس ، جرد للسياط فيما كان يفتي به من سقوط يمين المكره ، فكأنما كان ذلك حلياً حلي به في الناس ، فهذا حكم الإكراه .
وأن يعلم إنه إن خوف المكره بالله تعالى لم يخف لعتوه وبغيه ، فإن علم أنه إن خوفه بالله تعالى خاف وكف فليس بمكره ، وأن لا يكون له ناصر يمنع منه ، ولا شفيع يكفه عنه ، فإن وجد ناصراً أو شفيعاً فليس بمكره ، فإذا عدم الخلاص من أحد هذه الوجوه الثلاثة تحقق إكراهه ، فإذا تلفظ حينئذ بالطلاق لم يخل حاله فيه من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يتكلم بالطلاق غير قاصد للفظ الطلاق ولا مريد لإيقاعه فهو الذي لا يقع طلاقه ، لوجود الإكراه على اللفظ وعدم الإرادة في الوقوع .
والقسم الثاني : أن يقصد لفظ الطلاق ، ويريد إيقاعه فطلاق هذا واقع لارتفاع حكم الإرادة بقصده وإرادته .
والقسم الثالث : أن يقصد لفظ الثلاث ولا يريد إيقاعه ففي وقوع الطلاق منه وجهان :
أحدهما : لا يقع طلاقه لفقد الإرادة في الوقوع .
والوجه الثاني : يقع طلاقه لقصده لفظ الطلاق ، فصار فيه كالمختار ، وإذا تلفظ المختار بالطلاق ولم يرد به وقوع الطلاق وقع . والله أعلم .