پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص229

قال أبو عبيد : الإغلاق كالإكراه ، يعني أنه كالمغلق عليه اختياره ، فإن قيل المراد به الجنون لأنه معلق الإرادة ففيه جوابان :

أحدهما : أن أهل اللغة أقوم بمعانيها من غيرهم فكان حمله على ما قرره أولى .

والثاني : أنه يحمل على الأمرين فيكون أعم . ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم . قاله خمسة منهم ، لم يظهر مخالف لهم ، منهم عمر روي عنه ابن المنذر ، أن رجلاً تدلى بحبل يشتار – أي يجتني عسلاً – فأدركته امرأة ، فحلفت لتقطعن الحبل أو ليطلقها ثلاثاً فذكرها الله والإسلام فحلفت لتفعلن أو ليفعلن ، فطلقها ثلاثاً فلما خرج أتى عمر بن الخطاب ، فذكر له الذي كان من امرأته إليه ، والذي كان منه إليها ، فقال : ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق .

ومنهم علي بن أبي طالب عليه السلام : كان لا يرى طلاق المكره شيئاً ، ومنهم عبد الله بن عباس ، قال : ليس على المكره والمضطهد طلاق ، ومنهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير كانا يريان مثل ذلك .

ومن القياس : أنه لفظ حمل عليه بغير حق ، فوجب أن لا يثبت به حكم ، كالإكراه على الإقرار بالطلاق فإن قيل : لا يصح اعتبار الإيقاع بالإقرار ، لأن الإكراه على الرضاع يتعلق به التحريم والإكراه على الإقرار بالرضاع لا يتعلق به تحريم ، والإكراه على الإقرار بالإسلام لا يصح لأن الإقرار خبر به يدخله الصدق والكذب ، وخالف الإيقاع الذي لا يدخله صدق ولا كذب .

فعن ذلك جوابان :

أحدهما : أنه إقرار المكره لم يرتفع لاحتمال دخول الصدق ، والكذب فيه ، لأن هذا المعنى من احتمال الصدق . والكذب موجود في إقرار المختار ، وطلاقه واقع وإنما المعنى فيه الإكراه ، وهذا المعنى موجود في الإيقاع .

والثاني : هو أن الرضاع فعل لا يراعى فيه القصد ، فاستوى فيه حكم المكره والمختار ، والإقرار قول يراعى فيه القصد ، فافترق فيه حكم المكره والمختار ، ألا ترى أن المجنونة لو أرضعت ثبت به حكم التحريم ، ولو أقرت به لم ثبت .

والمجنون لو أولد أمته صارت أم ولد ، ولو أعتقها لم تعتق ، فافترق حكم الإكراه على الإرضاع ، وحكم الإقرار بالرضاع ، لأن أحدهما فعل والآخر قول . واستوى حكم الإكراه على إيقاع الطلاق وعلى الإقرار ، لأن كليهما قوله ، وأما الإكراه على فعل الإسلام ، فإنما يصح ويثبت فيمن كان حربياً فيدعى بالسيف إلى الإسلام ، لأن إكراهه عليه واجب قد ورد الشرع به ، ولا يصح إكراه الذمي الباذل للجزية ، لأن الشرع قد أقره عليه ، فكان إكراهه عليه ظلماً ، فلم يصح .