الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص228
استدلالاً بقول الله تعالى : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ) [ البقرة : 230 ] . ولم يفرق بين مكره ومختار فكان على عمومه . وبرواية علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي ( ص ) أنه قال : ( كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه الصبي ) . فدخل طلاق المكره في عموم الجواز .
وبرواية أبي هريرة عن النبي ( ص ) انه قال : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ) .
والمكره لا يخلو أن يكون جاداً أو هازلاً فوجب أن يقع طلاقه .
ولما روي أن صفوان بن عمران كان نائماً مع امرأته في الفراش فجلست على صدره ، ووضعت السكين وقالت : طلقني وإلا ذبحتك فناشدها الله فأبت فطلقها ، ثم أتى رسول الله ( ص ) فذكر له ذلك ، فقال : ( لا إقالة في الطلاق ) .
أي لا رجوع فيه ، فدل على وقوعه مع الإكراه .
ومن القياس : انه طلاق مكلف مالك ، فوجب أن يكون واقعاً كالمختار قال : ولأن كل ما لم يمنع من وقوع الطلاق مع الإرادة لم يمنع من وقوعه مع فقد الإرادة كالهزل ، ولأن ما أوجب تحريم البضع مع الاختيار ، أوجب تحريمه مع الإكراه كالرضاع .
ودليلنا : ما روي عن النبي ( ص ) انه قال : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . فاقتضى أن يكون طلاق المكره مرفوعا . فإن قيل : فالاستكراه لم يرفع لأنه قد يوجد ، قيل المراد به حكم الاستكراه ، لا الاستكراه ، كما أن المراد به حكم الخطأ لا وجود الخطأ . على أنه قد روي : ( عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . فبان به ما ذكرنا ، فإن قيل فهو محمول على رفع الإثم ، قيل حمله على رفع الحكم أولى لأنه أعم ، لأن ما رفع الحكم قد رفع الإثم ، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي ( ص ) قال : ( لا طلاق في إغلاق ) .