يصح الإضراب عن الأولى ، وهذا عندي غير صحيح ، بل لا يلزمه إلا طلقتان ، لأنه إذا استدرك زيادة على الأولى بطل حكم الإضراب ، لدخوله في المستدرك ، وجرى مجرى قوله : له علي درهم لا بل درهمان ، لم يلزمه إلا درهمان لا غيره ، لدخول الدرهم في الدرهمين ، فزال عنه حكم الإضراب .
( فصل : )
ولو قال لإحدى زوجتيه : أنت طالق واحدة ، لا بل هذه ثلاثاً ، طلقت الأولى واحدة وطلقت الثانية ثلاثاً ، لأنه استدرك بالثانية الإضراب عن طلاق الأولى ، فطلقت الثانية ولم يقع طلاق الأولى ، ولكن لو قال لزوجة واحدة أنت طالق واحدة ، لا بل ثلاثاً إن دخلت الدار ، قال أبو بكر بن الحداد المصري في فروعه : طلقت في الحال واحدة ، وطلقت بدخول الدار تمام الثلاث إن كانت مدخولاً بها فجعل الشرط راجعاً إلى الثلاثة وحدها ، وجعل الأولى بآخره بغير شرط ، لإضرابه عنها باستدراك الثلاث بالشرط ، وهذا قياس قول أبي العباس في قوله : أنت طالق واحدة بل ثنتين ، أنها تطلق ثلاثاً ، وهذا الذي قاله ابن الحداد ، ليس بصحيح عندي لدخول الواحدة في الثلاث ، فاقتضى أن يكون الشرط راجعاً إلى الجميع ، ولا تطلق قبل دخول الدار شيئاً ، فإذا دخلتها طلقت ثلاثاً .
( فصل : )
وإذا قال لها : إن طلقتك واحدة ، أملك فيها الرجعة ، فأنت طالق قبلها ثلاثاً ، فطلقها واحدة ، فإن كانت غير مدخول بها طلقت واحدة ولم يوجب وقوعها وقوع ثلاث قبلها ، لأنه شرط في وقوع الثلاث ، بثبوت الرجعة في الواحدة ، وغير المدخول بها لا رجعة في طلاقها ، فلم يوجد شرط الثلاث فيها ، فوقعت الواحدة ، ولم تقع الثلاث ، وهذا مما يختلف أصحابنا فيه ، فأما إن كانت مدخولاً بها ، ملك بعد الواحدة رجعتها ، فقد وجد شرط الثلاث فيها ، فاختلف أصحابنا في وقوع الطلاق عليها على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو مذهب المزني انه لا يقع عليها الطلاق لا الواحدة المتأخرة ، ولا الثلاث المعلقة بالصفة ، لأن وقوع الناجزة توجب وقوع ثلاث قبلها بالصفة ، ووقوع الثلاث من قبل تمنع من وقوع الواحدة من بعده ، فنفى كل واحد من الطلاقين وقوع الآخر فسقطا معاً .
والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج ، ومن حكى عنه خلافه ، فقد وهم انه تقع عليها الطلقة الناجزة وحدها ولا يكون اشتراطها في وقوع الثلاثة قبلها مانعاً من وقوعها وهذا الصحيح عندي ، وبه قال أبو حنيفة وأبو علي بن أبي هريرة لأمرين :