الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص219
فرع : وإذا كان له زوجتان ، حفصة وعمرة ، فقال : يا حفصة إن حلفت بطلاق عمرة فأنت طالق ، ثم قال : يا عمرة إن حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق ، طلقت حفصة ؛ لأنه قد صار حالفاً بطلاق عمرة ، ولم تطلق عمرة ؛ لأنه لم يصر حالفاً بطلاق حفصة ، فإن أعاد ذلك ثانية فقال : يا حفصة إن حلفت بطلاق عمرة فأنت طالق ، ويا عمرة إن حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق ، طلقت عمرة واحدة ؛ لأنه قد صار حالفاً بطلاق حفصة ، وطلقت حفصة ثانية ، لأنه صار حالفاً بطلاق عمرة ، فإن أعاد ذلك ثالثة ، فقال : يا حفصة إن حلفت بطلاق عمرة فأنت طالق ، ويا عمرة إن حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق ، طلقت حفصة ثالثة وطلقت عمرة ثانية .
فإن أعاد ذلك رابعة لم تطلق واحدة منهما ، وصار الطلاق الواقع على حفصة ثلاثاً والطلاق الواقع على عمرة اثنتين ، وإنما كان كذلك لأن حفصة بعد استكمال طلاقها ، لا يقع عليها طلاق ولا يكون حالفاً عليها بالطلاق فلم تطلق بعمرة لاستكمالها للثلاث ، ولم تطلق بها عمرة لأنه لم يصر حالفاً على حفصة بالطلاق .
قال الماوردي : وصورتها أن يكرر لفظ الطلاق ثلاث مرات ، فيقول لها : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، فعند أبي حنيفة أنها تطلق ثلاثاً ، ولا يرجع إلى إرادته ، ويجري ذلك مجرى قوله لها : أنت طالق ثلاثاً غير انه فرق في إحدى الموضعين وجمع في الآخر .
وعلى مذهب الشافعي : أن التكرار يحتمل أن يراد به التأكيد ، ويحتمل أن يراد به التكرار والاستئناف ألا ترى أن رسول الله ( ص ) قال : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل .
فكررها ثلاثاً فكان ذلك منه محمولا على التأكيد دون الاستئناف وقال : ( والله لأغزون قريشاً ، والله لأغزون قريشاً ، والله لأغزون قريشاً ) .
فكان تكراره لذلك محمولاً على التأكيد دون الاستئناف ، لأنه لم يغزها بعد هذه اليمين ، إلا مرة واحدة ، هذا لسان العرب وعادتهم فوجب أن يكون تكرار لفظ الطلاق محمولاً عليه ، ولأنه لو كرر الاقرار لما تضاعف به الحق كذلك الطلاق ، لأنه لو قال ؛ له علي درهم ، له علي درهم ، له علي درهم ، لم يلزمه إلا درهم واحد ، ويكون التكرار محمولاً على التأكيد فكذلك الطلاق .