الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص214
وذهب البصريون إلى أن القصد في فعل المحلوف عليه غير معتبر في الحنث قولاً واحداً وإن كان اعتباره في فعل الحالف على قولين .
والفرق بينهما ما قدمناه ، من أن اليمين لا تكون إلا من ذي قصد ، فجاز أن يكون القصد في فعله معتبراً ، وقد يكون على غير ذي قصد ، فلم يكن القصد في فعله معتبراً .
وظاهر كلام الشافعي ها هنا ، أشبه بما قاله البصريون ؛ لأنه قال : ولو حلف لا يأخذ مالك علي ، فأجبره السلطان ، فأخذ منه المال حنث ، ولو قال : لا أعطيك لم يحنث ، فحنثه مع فقد القصد من المحلوف عليه ، ولم يحنثه مع فقد القصد من الحالف ، ولو استوى القولان فيهما لسوى في الحنث بينهما .
أحدهما : أن يحلف بالطلاق على صاحب دين عليه ، أنك لا تأخذ مالك علي ، فصار المال إليه ، فله فيه خمسة أحوال :
أحدها : أن يأخذ المال مختاراً لأخذه ، فالطلاق واقع سواء دفعه الحالف مختاراً أو مكرهاً أو أخذ المال بنفسه سراً أو جهراً ، لأن الحنث معلق بالأخذ ، وقد وجد في هذه الأحوال كلها وهكذا لو أخذ المال من وكيله أو من متطوع عليه بالقضاء حنث ، بوجود الأخذ إلا أن يكون الحالف قال : لا تأخذ مني مالك علي ، فإذا أخذه من غيره لم يحنث .
والحال الثانية ، أن يأخذه وكيله فلا حنث على الحالف ؛ لأن المحلوف عليه لم يأخذ المال ، وإنما أخذه وكيله ، فلم توجد صفة الحنث ، وسواء أخذه الوكيل بأمره أو غير أمره .
والحال الثالثة : أن يأخذ المال عرضاً أو حوالة ، فلا حنث عليه أيضاً ؛ لأنه قد بدل المال ولم يأخذ عين المال ، فلم توجد صفة الحنث .
والحال الرابعة : أن يأخذ السلطان المال ، ويضعه في حرز صاحب الدين أو في حجره فلا حنث أيضاً ، إلا أن يستأنف المحلوف أخذ ذلك من حرزه أو حجره ، فيحنث الحالف حينئذ لوجود الآخذ الآن .
والحال الخامسة : أن يخوفه السلطان فيأخذ المال مكرهاً فعلى ما ذكرنا من اختلاف أصحابنا ، فعلى مذهب البغداديين هل يكون حنث الحالف على قولين ، تسوية بين عدم الفعل من المحلوف عليه وبين علمه من الحالف ، وعلى مذهب البصريين يحنث الحالف قولاً واحداً لأن القصد لا يراعى من غير الحالف ، وقد وجد فوجب أن يقع الحنث .