الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص184
والثامن : ما حكي عن أبي حنيفة ، أنه يكون إيلاء ، يؤجل فيه أربعة من أشهر ، فإن وطئ فعليه كفارة يمين ، وإن لم يطأ حتى مضت أربعة أشهر طلقت طلقة بائنة ، فيصير قوله موافقاً لقول أبي بكر – رضي الله عنه – أنها يمين ، ثم يزيد عليه بما يعلق عليها من حكم الإيلاء ، ويقول إنه لو حرم طعامه أو ماله على نفسه كان يميناً يلزمه بها كفارة يمين ولا يلزمه عند الشافعي ، بتحريم طعامه وماله كفارة .
واستدل أبو حنيفة على أن التحريم يمين يوجب ما ذكره من الإيلاء والكفارة بقوله تعالى : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ، قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) [ التحريم : 1 ، 2 ] . فكان استدلالاً بذلك من وجهين :
أحدهما : أن الذي حرمه على نفسه مختلف فيه ، فحكى عروة وابن أبي مليكة ، أنه حرم العسل على نفسه لأنه كان يشربه عند بعض نسائه ، فقالت الباقيات : نجد منك ريح المعافير ، والمعافير صمغ العرفط ، لأن من النحل ما يكون يرعاه ، فيظهر فيه ريحه ، وكان يكره ريحه ، فحرمه على نفسه ثم كفر .
وحكى الحسن وقتادة ، أنه حرم مارية على نفسه ، لأنه كان خلا بها في منزل د حفصة ، فغارت فحرمها ثم كفر ، فدل على وجوب الكفارة في الإماء والطعام ، وكفارة اليمين تجب في الإماء .
والثاني : أن الله تعالى قال : ( قد فرض لكم تحلة أيمانكم ) فدل بهذا النص على أن التحريم على يمين ، وبما روى ابن عباس عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما ، أن النبي ( ص ) قال : ( الحرام يمين تكفر ) وهذا نص .
ولأن ما أوجب كفارة اليمين في الزوجة والأمة ، كانت يميناً توجب الكفارة في الطعام والمال كالحلف بالله تعالى .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( يا أيها النبي ( ص ) لم تحرم ما أحل الله لك ، تبتغي مرضات أزواجك ) فأنكر الله تعالى على نبيه ( ص ) ما أحله له ، فدل على أن التحريم لم يقع فبطل به قول من جعله طلاقاً وظهاراً ، وقوله تعالى : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) دليل على انه حرم ما أحل الله له ، بيمين حلف بها ، فعوتب في التحريم ، وأمر بالكفارة في اليمين ، ولم يكن التحريم يميناً ، لأن اليمين إنما يكون خبراً عن ماض ووعداً بمستقبل ، فلم يجز أن يكون يميناً ، ويدل على ما قلناه ما روي عن عائشة رضي الله عنها – قالت : آلى رسول الله ( ص ) من نسائه شهراً ، وحرم جاريته يوما بيمين ، وكفر عن