الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص182
ثلاثا إلا اثنتين ، لأن بعض الكلام مرتبط ببعض ، فأوله موقوف على آخره ، وهو كلام لا ينقض بعضه بعضاً ، فصح ولو لم يتلفظ بهذا الاستثناء بلسانه وأضمره بقلبه ونوى بقوله : أنت طالق أن يكون معلقا بمشيئة الله ، أو قال : أنت طالق ثلاثاً ونوى إلا اثنتين ، لم يصح ما أضمره من الاستثناء بمشيئة الله ، ومن العدد ، ووقع الطلاق ثلاثا في الظاهر والباطن ، وإنما كان صحيحاً مع الإظهار وباطلاً مع الإضمار ، لأن حكم اللفظ أقوى من النية ، لأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ من غير نية ، ولا يقع لمجرد النية من غير لفظ ، فإذا تعارضت النية واللفظ ، يغلب حكم اللفظ لقوته على حكم النية لضعفه ، فوقع الطلاق وبطل الاستثناء .
فلو قال : وله أربع نسوة : أنتن طوالق ، واستثنى واحدة منهن فعزلها من الطلاق صح استثناؤه من الطلاقهن ، مظهراً ومضمراً ، فلا يقع طلاقها إن استثناها ظاهراً بلفظه لا في الظاهر ، ولا في الباطن ، ولا يقع طلاقها إن استثناها ، باطنا بنيته في الباطن ، وإن كان واقعاً ، وإن كان واقعا في الظاهر ، ولكن لو قال للأربع : أنتن يا أربع طوالق وأراد إلا واحدة فإن استثناها بلفظه صح ، وإن عزلها بنيته لم يصح ، كالاستثناء من العدد لأنه قد صرح بذكر الأربع ، ولم يصرح بذكرهن فيما تقدم ، فلو قال لزوجته : أنت طالق وأراد بقلبه الإشارة بالطلاق إلى إصبعه دون زوجته لم يقبل منه في ظاهر الحكم ، واختلف أصحابنا هل يدين في باطن الحكم فيما بينه وبين الله تعالى أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يدين فيه لاحتماله .
والثاني : وهو أصح : لا يدين فيه ، ويلزمه الطلاق في الظاهر والباطن جميعاً لأمرين :
أحدهما : أن الإصبع لا يتوجه إليها طلاق انفصال ، ولا طلاق تحريم .
والثاني : أنه أوقع طلاقاً على أن لا يكون طلاقاً فصار كقوله : أنت طالق إلا أنت ، والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا قال الرجل لزوجته : أنت علي حرام ، فإن أراد به الطلاق ، كان طلاقا يقع من عدده ما نواه ، من واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، وإن لم ينو عددا ، كانت واحدة رجعية ، وإن أراد به الظهار كان ظهاراً ، وإن أراد به الإيلاء