فإن قال لها : اختاري نفسك ، فقالت : قد اخترت أبي وأمي ، لم يقع به الطلاق ، وإن نوته ، لأنه ليس بصريح ولا كناية ، إذ ليس اختيارها لأبيها موجباً لفراق زوجها . ولو قالت : قد اخترت الأزواج ففي وقوع الطلاق به إذا نوته وجهان :
أحدهما : يقع به الطلاق ، لأنها لا تحل للأزواج مع بقائها على نكاحه .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي لا يقع به الطلاق لعلتين .
إحداهما : أنه من الأزواج .
والثانية : أن اختيارها لنفسها لا تكون ذات زوج ، فعلى هذا لو قالت : قد اخترت زيداً ناوية للطلاق طلقت على التعليل الأول ، ولم تطلق على التعليل الثاني .
( فصل : )
وأما القسم الثالث : وهو أن يكون بذله صريحاً وقبولها كناية . فصورته أن يقول لها : طلقي نفسك ، أو قد جعلت بيدك طلاق نفسك ، فتقول : قد اخترت نفسي أو قد أبنت نفسي ، فتعتبر نية الزوجة ولا تعتبر نية الزوج ، لأن صريح الزوج لا يفتقر إلى نية وكناية الزوجة تفتقر إلى النية ، فإذا قالت ذلك ناوية للطلاق طلقت ، على قول جمهور أصحابنا ، وقال منهم أبو عبيد بن حربوية ، وأبو علي بن خيران : لا تطلق لأن قبول الصريح يكون صريحاً للنكاح ، وهذا فاسد ، لأن الكناية مع النية تقوم مقام الصريح بغير نية ، وجرى اختلاف الصريح والكناية مجرى اختلاف الصريحين ، واختلاف الكنايتين وإذا كان كذلك وسئلت الزوجة عن نيتها ، فقالت : ما أردت الطلاق لم تطلق فإن أكذبها الزوج طلقت بإقراره أنها قد نوت ، وإن قالت : أردت الطلاق ، طلقت فإن أكذبها الزوج كان القول قولها مع يمينها ، لأن النية باطنة لا تعرف إلا من جهتها .
وقال أبو سعيد الإصطخري : القول قول الزوج مع يمينه ، ولا يصدق قولها في وقوع الطلاق عليه كما لو ادعته ، وكما لو قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فقالت : قد دخلت ، وهذا خطأ ، لأن تعليق الطلاق بما يعتبر فيه نيتها ، أخفى من تعليقه بحيضها ، فلما كان لو قال لها إذا حضت فأنت طالق ، فقالت : قد حضت ، قبل فيه قولها ، وإن أكذبها ، فأولى أن يقبل قولها فيما تعلق من نيتها ، لأن إقامة البينة على نيتها ، أشد تعذراً من إقامتها على حيضها ، لاستحالة تلك وإمكان هذه ، وخالف قوله لها : إن دخلت الدار فأنت طالق فتدعي دخولها ، فلا يقبل قولها ، لأنه يمكنه إقامة البينة على دخولها .
( فصل : )
وأما القسم الرابع : وهو أن يكون بذله كناية وقبولها صريحاً فصورته : أن يقول لها اختاري نفسك أو أمرك بيدك ، فتقول قد طلقت نفسي ، فتعتبر نية الزوج ولا