پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص168

إلا أمياً لا يكتب ، وإن تكلم ، كما لا يبعث رسولاً أخرس ، لا يتكلم وإن كتب ، وفي فحوى هذا دليل على خروج الكتابة من صريح الكلام ، ولأنها لو قامت مقام صريح الكلام لأجزأ من كتب القرآن في الصلاة عن أن يتكلم به في الصلاة ، ولاقتضى من المرتد إذا كتب الشهادتين عن أن يتكلم بالشهادتين ، وفي امتناعنا من ذلك خروج الكتابة من حكم الكلام ، ولأنه لو كانت الكتابة صريحاً كالكلام لصح بها عقد النكاح ، كما يقع بها فيه الطلاق ، وفي إجماعنا على أن عقد النكاح بها لا يصح دليل على خروجهما من صريح الكلام في الطلاق ، فإذا تقرر أن ليست الكتابة صريحاً في الطلاق ، فقد اختلف قول الشافعي ، هل يكون كناية فيه أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : وأشار إليه في كتاب الرجعة .

وقال به أبو إسحاق المروزي من أصحابنا : أنها لا تكون كناية ، ولا يقع بها طلاق وإن نواه ، لأنها فعل فأشبهت سائر الأفعال ، ولأن كتابة اليد ترجمان اللسان ومعبر عنه كما أن كناية الكلام ترجمان القلب ومعبر عنه فلما لم تقم الكتابة مقام الصريح إلا بنية القلب لم تقم الكناية مع الكلام إلا بنطق اللسان .

والقول الثاني : وهو الصحيح نص عليه هاهنا وفي الإملاء ، وقال أبو حنيفة ومالك : إن الكتابة كناية في وقوع الطلاق بها مع النية ، ولا يقع بها الطلاق إن تجردت عن النية ، لأنها نقص عن الكلام لاحتمالها وتخالف الأفعال لإفهام المخاطب بها ، ولأن العرف في استعمالها أنها بدل من الكلام ، تقتضي أن يتعلق عليها بعض أحكام الكلام ، فصارت كالمحتمل فيه من اعتبار النية فيه :

( فصل : )

فإذا قلنا بالأول أن الكتابة ليست صريحاً ولا كناية ، فلا يقع بها الطلاق وإن نواه من حاضر ولا غائب ، وكذلك العتق ، فإن قلنا بالثاني في أن الكتابة كناية يقع بها الطلاق إذا اقترنت بالنية ، ولا يقع بها الطلاق إذا تجردت عن النية ، فكذلك العتق ، ويصح بها الطلاق والعتاق من الغائب ، وهل يصح من الحاضر أم لا ؟ فيه وجهان :

أحدهما : يصح من الحاضر كما يصح من الغائب ، لأن كنايات الطلاق والعتاق من الحاضر والغائب سواء ، فكذلك الكتابة .

والوجه الثاني : أنه لا يصح بها الطلاق والعتاق ، من الحاضر والغائب لأمرين :

أحدهما : أنها من الغائب ضرورة كإشارة الأخرس ، ومن الحاضر غير ضرورة كإشارة الناطق .

والثاني : أنها مستعملة في عرف الغائب ، وغير مستعملة في عرف الحاضر ، فأما