الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص165
تحريم ، وتحريم الزوجة موجب لزوال الملك عنها ، فجاز أن يكون طلاقاً لها ، قال : ولأن كل لفظ كان صريحاً في تحريم الحرائر لم يكن كناية في عتق الإماء كالظهار ، ولأن لفظ الطلاق أضعف حكما من لفظ الحرية ، لأنه مختص بإزالة الملك عن الاستمتاع ، والحرية تزيل الملك عن الرق والاستمتاع ، فجاز أن تكون الحرية كناية في الطلاق لقوتها ، ولم يجز أن يكون الطلاق كناية في العتق لضعفه ، كالبيع لما كان أقوى من الإجارة ، جاز أن تنعقد الإجارة بلفظ البيع ، ولم يجز أن ينعقد البيع بلفظ الإجارة .
ودليلنا قول النبي ( ص ) ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) فكان على عمومه ، ولأن صريح ما يجري فيه النية انه كناية ، في مثله كالعتق في الطلاق ، ولأن كل لفظ صح استعماله في الطلاق ، صح استعماله في العتق ، كقوله : لا سلطان لي عليك ، ولأن ما صح وقوع الطلاق به ، صح وقوع الحرية به ، كقوله أنت حرة ، ولأن صريح الطلاق أوقى من كنايته فلما وقعت الحرية بكناية الطلاق ، فأولى أن تقع بصريحه ، ولأنه لما كانت الحرية كناية في طلاق الحرة ، وهي صفتها في حال الزوجية ، فأولى أن يكون الطلاق كناية في عتق الأمة وليس من صفتها في حال الرق .
فأما استدلاله بأن تحريم الطلاق لا ينافي بقاء الرق ، فالجواب عنه أن صريح الطلاق إنما كان كناية في العتق ، لأنه يتضمن الإطلاق من حبس العتق ، لا بما يتعلق به من التحريم ، وأما قياسهم على الظهار ، فالظهار عندنا كناية في العتق كالطلاق فسقط الاستدلال به ثم لو سلم لهم هذا الأصل – وليس بمسلم – لكان الفرق بينهما ، لأن الطلاق مزيل للملك مع التحريم ، فجاز أن تقع به الحرية ، والظهار مختص بالتحريم من غير أن يزول به الملك ، فلم تقع به الحرية . وأما استدلالهم بأن لفظ الطلاق أضعف من لفظ العتاق لاختصاصه بإزالة الاستمتاع عن المنفعة دون الرقبة ، فالجواب : أنه وإن ضعف عنه في الإماء فهو أقوى منه في الحرائر ، ثم لا ينكر أن يساويه في القوة إذا انضمت إليه النية كما تساويه كناية الطلاق التي هي أضعف من صريح الطلاق / إذا أنضمت إليه النية ، واستشهادهم بالبيع والإجارة ، فهم لا يجوزون عقد الإجارة بلفظ ، البيع كما لا يجوز عقد البيع بلفظ الإجارة ، وإن جاز عندنا ، والفرق بينهما أن لفظ البيع أعم من لفظ الإجارة ، فجاز أن يعقد الأخص باللفظ الأعم ، ولم يجز أن يعقد الأعم باللفظ الأخص والله أعلم .