الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص163
ثلاثاً طلقت ثلاثاً ولو كانت الثلاث لا تقع إلا باللفظ الأول ، لما وقع عليها إلا واحدة ، لأن غير المدخول بها لا تطلق بفلظ بعد لفظ ، لأنه لو قال : أنت طالق وطالق وقعت الأولى ولم تقع الثانية ، وإذا جاز أن يكون العدد فيه مضمراً فيه ، إذا أظهره ، جاز أن يكون مضمراً فيه إذا نواه .
وتحريره قياساً ، أن كل عدد جاز أن يتضمنه مصدر الطلاق ، جاز أن يتضمنه اسم الطلاق كالمظهر .
ودليل ثالث : وهو أنه لو قال : أنت طالق ، وأشار بأصابعه الثلاث ، طلقت ثلاثاً ونية الثلاث أقوى من إشارته بالثلاث ، لأن الكناية تعمل فيها النية ، ولا تعمل فيها الإشارة فلما وقعت الثلاث بالإشارة ، فأولى أن تقع بالنية ، وأما استدلاله بأن قوله : أنت طالق إخبار عن صفة ، لا تتضمن عدداً فهو خطأ ، لما ذكرنا أنه اسم يحتمل العدد بما بيناه من جواز قوله : أنت طالق ثلاثاً ، وقوله : أنت حائض وطاهر وقائم وقاعد ، فهو مما لا يجوز أن يجتمع منه عدد في حال واحدة ، فلم يتضمن العدد ، وليس كذلك الطلاق ؛ لأنه لا يصح أن يجتمع منه العدد في حالة واحدة ، فجاز أن يتضمن العدد ، كما يجوز أن يقول : أنت عالم علمين ، وجائر جورين فيجوز أن يتضمنه العدد .
وأما استدلاله بأنه صريح في الواحدة ، فلم يجز أن يكون كناية في الثلاث ، فغير مسلم ، لأنه إذا نوى الثلاث ، كان صريحاً فيها ، ولم يكن صريحاً في واحدة ، كناية في اثنتين فلم يسلم لهم الاستدلال .
والقسم الثاني : أن تكون النية متأخرة عن جميع اللفظ ، فلا يقع الطلاق أيضاً ، لما ذكرنا أن اللفظ لما تجرد عن النية لم يقع به طلاق ، والنية لما تجردت عن اللفظ لم يقع بها طلاق .
مثال هذين : نية الصلاة ، إن تقدمت على الإحرام لم تصح ، وإن تأخرت عنه لم تصح .