الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص161
طلق امرأته ألبتة ، فقال له عمر أمسك عليك زوجك ، فإن الواحدة لا تبت ، وهذا دليل عليهما ، وروي انه قال : فإن الواحدة تبت ، يعني بانقضاء العدة إن لم يمسك .
وروي أن التؤمة طلق امرأته ألبتة فقال عمر : ما أردت قال : واحدة فاستحلفه ، فقال : أتراني أقيم على فرج حرام ، فأحلفه وأقره على نكاحه ، وليس يعرف لعمر في هذا مخالف ، فكان إجماعاً على مالك وأبي حنيفة ، لأن وقوع الطلاق إذا تجرد عن عدد وعوض ، كان رجعياً في المدخول به ، قياساً على قوله : أنت طالق ، أو اعتدي أو استبرئي رحمك ، أو أنت واحدة ، فإن أبا حنفية وافق على هذه الأربع أنه يملك بها الرجعة ، ولأنها معتدة يلحقها الطلاق فوجب أن يملك رجعتها كالمطلقة بالصريح ، وبما ذكرنا من الكناية ، ولأن ما لا يتعلق بصريح الطلاق لم يتعلق بكنايته ، لتحريم الثلاث ، ولأن ما لم يمنع صريحه من الرجعة لم تمنع كنايته من الرجعة لقوله : أنت واحدة ، هو كناية أنت طالق .
ولأن صريح الطلاق من كنايته فلما لم يرفع الصريح الرجعة ، فأولى أن لا ترفعها الكناية ، ولأنه لو نوى بالطلاق صريح أنه بائن لم يرفع الرجعة ، فإذا تجرد لفظ البائن عن الصريح ، فأولى أن لا يرفع الرجعة ، فأما استدلاله بأنه لفظ يقتضي البينونة ، فمنتقض بقوله : أنت طالق ولا رجعة لي عليك ، تكون طالقاً وله الرجعة ، فلم يرتفع بهذا اللفظ ، وإن كان مقتضياً للبينونة ثم المعنى في الأصل الذي هو الثلاث ، استيفاء العدد ، وأما استدلاله بأنه إذا وقع به الطلاق وقع مقتضاه ، فمنتقض بلفظ الطلاق ، لأنه يقتضي طلاقاً من جنسه ، وقد يكون رجعياً لا يخرج به من جنسه .
وقال أبو حنيفة : لا تقع إلا واحدة ، استدلالاً بأن قوله : أنت بائن يتضمن البيونة وهي نوعان : صغرى وهي التي تثبت الرجعة وتحل قبل زوج ، وكبرى وهي التي تقطع عصمة الرجعة ولا تحل إلا بعد زوج ، فإذا أراد الكبرى وكانت الثلاث تبعاً وإن لم يرد الكبرى وقعت الصغرى ، لأنها لا تنفك عنها وهي واحدة ، فأما الثنتان فخارج منهما ، ولأن لفظ البينونة لا يتضمن عدداً ، لأن البائن مثل الحائض والطاهر ، ولا يحسن أن تقول : أنت بائنتان كما لا يحسن أن تقول : أنت حائضتان وطاهرتان ، فإذا لم يتضمن العدد لم يجز أن يعلق عليه العدد .
ودليلنا هو : أن كل عدد ملك إيقاعه بالصريح ، ملك إيقاعه بالكناية كالثلاث ، ولأن وقوع الثلاث أغلظ من وقوع الثنتين ، لأن الثالثة لا تقع إلا بعد الثانية ، فإذا وقعت الثنتان مع الثالثة فأولى أن تقع الثنتان دون الثالثة ، فأما استدلاله بأن البينونة