الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص157
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا قيد بصريح الطلاق بما يغلب حكم الصريح ، مثل أن يقول : قد طلقتك من وثاقك وفارقتك إلى المسجد ، وسرحتك إلى أهلك ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يقول ذلك فاصلاً بين قوله : طلقتك ، وبين قوله من وثاقك ، فقد استقر حكم الطلاق في الوقوع بإمساكه على قوله قد طلقتك ولا يؤثر فيه ، ما استأنفه بعد الإمساك من قوله من وثاقك ولظهر أول الكلام مربوطاً بآخره كما لا يؤثر الاستثناء بمشيئة الله ويبين العدد بعد انقطاع الكلام .
والضرب الثاني : أن يقول ذلك متصلاً ، لا يفصل بين قوله : طلقتك وبين قوله : من وثاقك فيصير أول الكلام مربوطاً بآخره ، فيخرج أوله من الصريح ، بما اتصل فيه وفي آخر . كما لو اتصل بالكلام استثناء ، صار حكم أوله محمولاً على الاستثناء بآخره . فإن قيل : فقد قدح صريح الطلاق بقوله : قد طلقتك ، وقد يجوز أن يتعقبه ندم ، فيصله بقوله من وثاقك ، قيل لا معنى لهذا التوهم لأن الكلام المتصل يتعلق الحكم بجميعه لا ببعضه ، ألا ترى لو قال : لا إله إلا الله ، كان موحداً بالإيمان ، وإن كان أوله نفياً وآخره إثباتاً ، وليس لقائل أن يقول : قد كفر بقوله لا إله ثم خاف فاستدرك بقوله لا إله ، فينبغي أن يحكم بكفره ، ولا يحكم بإيمانه ، وإذا كان كذلك ، صار اللفظ الصريح بما اتصل به من القرينة ، كناية يقع به الطلاق إن نواه ، ولا يقع به إن لم ينوه .