الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص156
وهي قوله : أنت خلية أبو برية أو بتة ، أو بائن أو حرام أو أمرك بيدك ، ولا يقع بغيرها من الكنايات إلا مع النية ، على ما سنذكره في موضعه ، استدلالاً بأن دلالة الحال تصرف الكلام عن حقيقته وموضوعه إلى غيره ، وتخصه بحكم دون حكم ، استشهاداً بأن الخلع لو اقترن به العوض كان صحيحاً ، ولو تجرد عن العوض كان كناية ، فاختلف حكمه بالقرينة ، كذلك سائر الكنايات ، ولأنه لما كان جزاء الشرط مقصوراً عليه ، وجب أن يكون الحكم عن سبب محمولاً عليه .
قال : ولأنه لفظ من ألفاظ الطلاق ، ورد على طلب الطلاق ، فوجب أن يكون طلاقاً كالفراق والسراح .
ودليلنا ما روي ( أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة ، وجاء إلى النبي ( ص ) وقال له : طلقت امرأتي ألبتة ، فقال له : ما أردت بها ، فقال والله ما أردت إلا واحدة ، فقال له النبي ( ص ) : ألله إنك ما أردت إلا واحدة ؟ فقال : والله ما أردت إلا واحدة ) .
فرجع فيه إلى إرادته ، ولو اختلف حكمه بالسبب ، أو عند الغضب والطلب ، لسأله عنه ولبينه له . ولأن الأحكام لا تختلف بالغضب والرضى كسائر الأحكام ، ولأن الكناية أحد نوعي الطلاق فلم تختلف بالرضى والغضب كالصريح ، ولأنها كناية لم تقترن بنية الطلاق ، فلم يكن طلاقاً كالرضى وعدم الطلب . فأما الاستدلال : بأن دلالة الحال ، تصرف الكلام عن حقيقته وموضوعه ، فقد قال الشافعي : إن الأسباب متقدمة والإيمان بعدها محدثة ، وقد يخرج على مثالها وعلى خلافها ، فأخذته لمخرج يمينه ، فإذا كان لفظه عاماً ، لم أعتبر بخصوص السبب . وإذا كان لفظه خاصاً لم أعتبر بعموم السبب ويرجع عن نية الطلاق في حال الغضب وفي استشهاده كلام مضى ، في موضعه يمنع به من صحة الاستشهاد .
وأما قياسهم على الفراق والسرح فلأنهما صريحان في الرضى والغضب ك ( الطلاق ) . وأما الشرط والجزاء مخالف للحكم والسبب لأمرين :
أحدهما : اتصال الشرط وانفصال السبب .
والثاني : أن الشرط منطوق به فلم يدخله احتمال ، والسبب غير منطوق به ، فدخله الاحتمال والله أعلم .