الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص154
والقسم الثاني : أن يقصد اللفظ ولا ينوي الفرقة ، فيقع به الطلاق ، لأن الصريح لا يفتقر إلى نية وهو قول جمهور الفقهاء ، وقال داود : لا يقع به الطلاق إلا مع النية استدلالاً بقول النبي ( ص ) : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) وهذا خطأ . لقول النبي ( ص ) : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد . النكاح والطلاق والعتاق ) .
ولأن الفرقة تقع بالفسخ تارة وبالطلاق أخرى . فلما لم يفتقر الفسخ إلى النية ، لم يفتقر الطلاق إليها ، ولأنه لما لم يفتقر صريح العتق إلى النية ، لم يفتقر صريح الطلاق إلى النية ولأنه قد افترق في الطلاق حكم الصريح والكناية ، فلو افتقر الصريح إلى النية ، لصار جميعه كناية ، وإذا كان كذلك فقد وقع الطلاق مع عدم النية ظاهراً وباطناً .
والقسم الثالث : أن يبعد اللفظ ويريد به طلاقاً من وثاق ، أو فراقاً إلى سفر ، أو تسريحاً إلى أهل ، فيلزمه الطلاق في ظاهر الحكم ، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى في الباطن . وقال أبو حنيفة : يلزمه الطلاق في الظاهر والباطن ، ولا يدين كما لا يدين إذا تلفظ بالطلاق ، ويريد به غير الطلاق .
ودليلنا : قول النبي ( ص ) ( لا تحاسبوا العبد حساب الرب ) أي لا تحاسبوه إلا على الظاهر دون الباطن ، وإن كان الله تعالى يحاسب على الظاهر والباطن . وقال النبي ( ص ) : ( إنما أحكم بالظاهر ويتولى الله السرائر ) ، ولأن اللفظ يحتمل ما نوى ، لأنه لو صرح به لكان محمولاً عليه فاقتضى إذا نواه أن يكون مديناً فيه ، لأنه أحد احتماليه وليس كذلك إذا أوقع الطلاق مريداً به غير الطلاق ، لأنه يسلب اللفظ حكمه الذي لا يحتمل غيره .
والقسم الرابع : أن لا يقصد اللفظ ولا يريد به الفرقة وإنما يسبق لسانه غلطاً أو دهشاً أو كان أعجمياً [ لا يعرف لفظ الطلاق ولا حكمه ] فالطلاق لازم له في ظاهر الحكم وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى ، فلا يلزمه في الباطن .