الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص123
والثاني : الطلاق في طهر قد جومعت فيه .
أما طلاق الحيض فلتحريمه علة واحدة ، وهو أن بقية حيضها غير محتسب به من عدتها عند من جعل الأقراء الأطهار ، وعند من جعلها الحيض ، فصارت بالطلاق فيه غير زوجة ولا معتدة . وأما المطلقة في الطهر المجامع فيه فلتحريمه علتان .
أحدهما : أنها ربما علقت من وطئه فصارت له أم ولد فلحقه ندم من طلاق أم ولده .
والثانية : أنها تصير مرتابة في عدتها هل علقت من وطئة فتكون عدتها بوضع الحمل ؟ أو لم تعلق فتكون بالإقراء ؟ لكنها تعتد ببقية طهرها قرءأً فإذا طلق إحدى هاتين إما في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه فقد طلقها طلاقاً بدعياً محرماً . وإستحببنا له أن يراجعها ؛ لأمر رسول الله ( ص ) ابن عمر حين طلق في الحيض أن يراجع ، واستدراكا لمواقعة المحظور بالإقلاع عنه ولا تجب عليه الرجعة .
وأوجبها مالك في طلاق الحائض استدلالاً بهذين .
والدليل على أن الرجعة غير واجبة وإن استحبت قول الله تعالى : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فخيره بين الرجعة والترك وقال تعالى : ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ) [ البقرة : 228 ] فدلت على أن الرجعة غير واجبة من وجهين :
أحدهما : أنه جعلها حقاً للأزواج لا عليهم .
والثاني : انه قرنها بإرادة الإصلاح .
ولأن الرجعة إما أن تراد لاستدامة العقد أو إعادته . فإن أريدت لإعادته لم تجب ، لأن ابتداء النكاح لا يجب ، فإن أريدت لاستدامته لم تجب ؛ لأن له رفعة بالطلاق ، ولأن تحريم الطلاق في الحيض كتحريمه في طهر مجامع فيه ، ثم لم تجب الرجعة في طهر الجماع كذلك في الحيض .
فأما حديث ابن عمر وقول النبي ( ص ) مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم فإن شاء طلق بعد وإن شاء أمسك .
فعنه جوابان : أحدهما : أنه لم يأمره بنفسه وجعل عمر هو الآمر له بقوله : مره فليراجعها دل على أن الأمر معدول به عن الوجوب إلى الاستحباب ، لأنه عدل به عمن تجب أوامره إلى من لا تجب أوامره .