الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص116
ولأنه لو وكل وكيلا في طلاق زوجته في الطهر وطلقها في الحيض لم تطلق ؛ لأجل مخالفته وإيقاع الطلاق في غير وقته مخالفة الله تعالى في وقت الطلاق أولى أن لا تقع بها طلاق ، وهذا خطأ .
ودليلنا ما رواه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر . أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله ( ص ) فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ( ص ) عن ذلك فقال : مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس . فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء .
فموضع الدليل منه انه أمره بالرجعة موجب لوقوع الطلاق ، لأن الرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق .
فإن قيل أمره بالرجعة إنما هو أمر بردها إليه . قلنا : هذا تأويل فاسد من وجوه :
أحدها : أن الرجعة بعد ذكر الطلاق تنصرف إلى رجعة الطلاق .
والثاني : أنه ما ذكر إخراجها فيؤمر بردها ، وإنما ذكر الطلاق وكان منصرفاً إلى رجعتها .
والثالث : أن المسلمين جعلوا طلاق ابن عمر هذا أصلا في طلاق الرجعة وحكم العدة ووقوع الطلاق في الحيض ولم يتأولوا هذا التأويل فبطل بالإجماع .
وروى الحسن عن عبد الله بن عمر قال : طلقت امرأتي وهي حائض طلقة وأردت أن أتبعها طلقتين فسألت النبي ( ص ) عن ذلك فقال : راجعها . قلت أرأيت لو طلقتها ثلاثا قال كنت قد أبنت زوجتك وعصيت ربك .
وهذا نص في وقوع الطلاق في الحيض لا يتوجه عليه ذلك التأويل المعلول ومن القياس انه طلاق مكلف صادف ملكاً فوجب أن ينعقد كالطاهر .
ولأن رفع الطلاق تخفيف ووقوعه تغليظ ، لأن طلاق المجنون لا يقع تخفيفاً وطلاق السكران يقع تغليظاً ؛ لأن المجنون ليس بعاص والسكران عاص .
فكان المطلق في الحيض أولى بوقوع الطلاق تغليظاً من رفعه عنه تخفيفاً ، ولأن النهي إذا كان لمعنى ولا يعود إلى المنهى عنه لم يكن النهي موجباً لفساد ما نهي عنه ، كالنهي عن البيع عند نداء الجمعة لا يوجب فساد البيع .