الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص49
فاختلف أصحابنا لهذا الاعتراض على ثلاثة مذاهب :
أحدها : أن الحكم على ما قاله المزني من أنه لا يستحق بالثالثة إلى ثلث الألف سواء علمت أن الباقي عليها طلقة أو لم تعلم ، تعليلاً بما استشهد به المزني من حال السكر بالقدح الثالث انه يكون به وبالأوليين ويفقئ عين الأعور انه يكون ذهاب البصر بالفقء الثاني مع الأول .
والوجه الثاني : أن جواب الشافعي صحيح على ظاهره ، وأن له جميع الألف بالطلقة الثالثة تعليلاً بما ذكره من حصول التحريم بها كحصوله بالثلاث ، سواء علمت أن الباقي عليها طلقة أو لم تعلم ، وانفصلوا عن استشهاد المزني بالسكر والفقء بأن لكل واحد من الأقداح الثلاثة تأثير في مبادئ السكر بالأول وبوسطه وبالثاني وكماله بالثالث ، وكذلك الفقء الأول قد أثر في ضعف النظر ، وقلة البصر ثم ذهب بالثاني ، وليس كذلك حال الطلقتين الأولتين ، لأنه لم يتعلق بهما شيء من تحريم الثلاث وكانت تحل بالرجعة بعدهما ، كما تحل قبلهما ، ثم وقعت الثالثة فتعلق بها جميع التحريم فصار ما استشهد به مفارقاً للطلاق .
والوجه الثالث : وهو قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي أن جواب الشافعي مفروض على أن الزوجة علمت أن الباقي له عليها طلقة واحدة ، فصار قولها طلقني ثلاثاً بألف وهو لا يملك ثلاثا محمولاً على أنها أرادت الثالثة ، فلذلك كان له جميع الألف ولو لم تعلم أن الباقي له طلقة واحدة وظنت أنه يملك معها ثلاث طلقات لم يكن له إلا ثلث الألف ، لأنها لم تبذل الألف إلا في مقابلة الثلاث ، فعلى هذا لو اختلف الزوجان فقال الزوج : قد علمت أيتها الزوجة أن الباقي لي عليك طلقة فلي جميع الألف .
وقالت الزوجة : بل ظننت أنك تملك الثلاث ولم أعلم أن الباقي لك تطليقة فليس لك إلا ثلث الألف فإنهما يتحالفان ويحكم له بعد التحالف بمهر المثل ، لأن هذا اختلاف منهما في قدر العوض فهي تقول : خالعتك على هذه الواحدة بثلث الألف ، وهو يقول : بجميع الألف ، فلذلك وجب التحالف والرجوع إلى مهر المثل ، وعلى هذا لو كان قد طلقها واحدة وبقيت معه على اثنتين فقالت : طلقني ثلاثاً بألف ، فطلقها طلقتين استحق إن علمت جميع الألف ، وإن جهلت ثلثي الألف ، ولو طلقها واحدة استحق إن علمت نصف الألف ، وإن جهلت ثلث الألف .
قال الشافعي رحمه الله : ( ولو قالت له طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً كان له الألف وكان متطوعاً بالاثنتين ) .