الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص31
والفرق بين هذا وبين البيع أن البيع لا يتم إلا بالثمن فإذا أطلق الإيجاب بالبيع ولم يذكر فيه الثمن عاد إلى البيع والثمن لأنهما لا يفترقا ، وليس كذلك النكاح ، لأنه يصح بغير صداق ، فإذا صرح بقبول النكاح ولم يصرح بقبول الصداق ، لزمه النكاح دون الصداق لأنهما قد يفترقان ، فإن قيل : فهذا التعليل في الفرق يقتضي أن لا يجب له في الخلع الألف حتى يقول قد طلقتك ثلاثاً بألف ، لأنه يصح الطلاق بغير الألف .
قيل : ما قدمناه من تعليل الفرق لا يقتضي هذا في الخلع وإن اقتضاه في النكاح .
والفرق بينهما : أن القبول في النكاح في مقابلة التزامه العقد والصداق فإن صرح بهما ، وإلا انصرف إلى المقصود منهما ، وهو النكاح وليس في الخلع إلا التزام واحد وهو العوض فتوجه إطلاق الإجابة إليه .
فقال الزوج : قد طلقتك ثلاثا بألف أو قال قد طلقتك ثلاثاً ، ولم يقل بألف ، طلقت ثلاثاً ، وله الألف وهي مسألة الشافعي .
ومثل ذلك في البيع لا يصح ، وهو أن يقول : إن بعتني عبدك هذا فلك علي ألف فيقول المالك : قد بعتك هذا العبد بألف ، فلا يتم البيع حتى يقبل المشتري بعد بذل البائع فيقول : قد قبلت ابتياعه بالألف .
والفرق بين الخلع والبيع في هذه المسألة أن حرف الشرط في قولها : إن طلقتني فلك ألف إذا لم يتضمن طلباً بأجر تضمن التزاماً فصح الطلاق بالزوج وحده وقد وجد الالتزام منها له فصح الخلع ، وليس كذلك البيع لأنه لا يصح بمجرد الالتزام حتى يقترن به الطلب ، وليس في لفظ الشرط طلب فصار التزام المشتري سوماً فلم يتم البيع بعد بذل البائع إلا بقبول المشتري .
فإن قيل : فقد شبه الشافعي في هذه المسألة بالبيع قبل موضع التشبيه بينهما في استحقال العوض لا في صفة العقد .
وهكذا لو قالت : طلقني ثلاثاً على أن أدفع إليك ألفاً ، فطلقها ثلاثاً استحق عليها ألفاً لالتزامها على الطلاق ألفاً فصار الطلاق شرطاً ، والألف جزاء ومثل هذا في البيع لا يصح لما ذكرنا والله أعلم .