الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص13
ومن الفقهاء أحمد وإسحاق ، واستدلالاً بقول الله تعالى : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) [ البقرة : 229 ] فكان ذلك عائداً إلى ما أعطي من المهر دون غيره ، وبما رواه عكرمة عن ابن عباس أن خولة بنت سلول أتت النبي ( ص ) فقالت : يا رسول الله إني لا أعيب على ثابت خلقاً ولا ديناً ولكني لا استطيقه وأكره الكفر في الإسلام ، فقال لها النبي ( ص ) : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فقال لثابت : خذها ولا تزدد فمنعه من الزيادة فدل على حظرها .
ودليلنا قول الله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ البقرة : 229 ] فاقتضى رفع الجناح عن جميع ما افتدت به من قليل وكثير ، ولأن الربيع بنت معوذ بن عفراء خالعت زوجها بجميع ملكها فأمضاه عثمان وجعل له ما دون عقاص الرأس ، ولأن ما استعيد من الابدال بعقود المعاوضات لم تتقدر كالأثمان ، ولأنه لما لم يتقدر ما يمتلكه من مالها هبة فأولى أن لا يتقدر ما يمتلكه من مالها خلعاً .
فأما الآية فأولها تتضمن النهي عن أخذ ما أعطي ، وآخرها يتضمن إباحة أخذ الفداء ، فلم يخص خصوص أولها في النهي بعموم آخرها في الإباحة لأن النهي ضد الإباحة فلم يجز أن يخص أحدهما بالآخر . وأما الجواب عن خلع النبي ( ص ) بين خولة وزوجها بالمهر الذي أعطاها فهو دليل على جوازه بالمهر ولا يمنع من الزيادة عليه كما لا يمنع من النقصان منه ، لأن الزوج لم يطلب زيادة كما لم تطلب الزوجة نقصاناً .