الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص605
ولأن الأنس بالأهل والاستجابة لهم ، وشرح الحال معهم أكثر من الأجانب ، فلهذه الأمور اخترنا أن يكون الحكمان من أهل الزوجين ، فإن كانا أجنبيين جاز ، لأنه إن جرى التحكيم مجرى الحاكم فحكم الأجنبي نافذ ، وإن جرى مجرى الوكالة فوكالة الأجنبي جائزة ؛ ولأنه قد لا يكون لواحد من الزوجين أهل ولا إنه كانوا حضروا ولا إن حضروا كانوا عدولاً فدعت الضرورة إلى جواز تحكيم غير الأهل .
وأما ما يختلف باختلاف القول فيهما فهو أن يكونا فقيهين من أهل الاجتهاد في الأحكام .
فإن قلنا : أنهما يجريان مجرى الحاكمين ، فلا بد أن يكونا من أهل الاجتهاد ، فإن لم يكونا من أهله لم يجز ؛ لأنه حكم فلم ينفذ إلا من مجتهد وإن قلنا : إنهما يجريان مجرى الوكيلين جاز أن يكونا من أهل الاجتهاد ، لأن وكالة العامة جائزة ، فإن عدل الحاكم عن أهلها إلى أجنبيين اختار لكل واحد منهما حكماً يثق به ويأنس إليه ، ولا يجوز أن يحكم عليهما عدويين للتهمة اللاحقة بهما .
قال الماوردي : والكلام في هذه المسألة يشتمل على فصلين :
أحدهما : على ما يتم به ولاية الحكمين .
والثاني : ما يجوز أن يفعله الحكمان وما لا يجوز لهما فعله .
فأما الفصل الأول فيما يتم به ولاية الحكمين فهو معتبر باختلاف القولين فيهما .
فإن قلنا : إنهما حكمان تمت ولايتهما بتقليد الحاكم لهما ، ولا يعتبر فيهما إذن الزوجين ولا رضاهما ، لكان لا بد للحاكم أن يعين كل واحد من الحكمين أن يكون مختصاً بأحد الزوجين ، فإن لم يعينه لم يجز ؛ لأن كل واحد منهما ينوب عن أحد الزوجين في استيفاء حقه من الآخر ، والنظر في مصلحته ثم يرد إليهما ما رأياه صلاحاً من إصلاح أو طلاق أو خلع ، فإن أراد بعد تحكيمهما أن يستدل بهما غيرهما فإن كان لتغير حالهما أو لوجود من هو أولى منهما جاز ، وإن لم يكن لتغير حال ولا لوجود من هو أولى لم يجز ولو اعتزل الحكمان جاز وما يستحب ذلك لهما إلا أن يكون لعجز منهما أو لاشتباه الأصلح عليهما ، وليس لهما بعد أن عزلا أو اعتزلا أن يحكما عليهما بشيء ، فإن