الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص603
فقال لها : إذا دخلت النار فعلى يسارك ، فجمعت رحلها وبلغ ذلك عثمان فقرأ قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَاْبْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا ) ( النساء : 35 ) فاختار من أهل عقيل : عبد الله بن عباس ، ومن أهل فاطمة ، معاوية بن أبي سفيان ، وقال : عليكما أن تجمعا إن رأيتما ، أو تفرقا إن رأيتما .
فقال عبد الله بن عباس والله لأحرصن على الفرقة بينهما .
فقال معاوية : والله لا فرقت بين شيخين من قريش فمضيا إليهما وقد اصطلحا .
فدل هذا القول منهما على أن الحكمين يملكان الفرقة إن رأياها ، وذلك بمشهد من عثمان رضي الله تعالى عنه وقد حضره من الصحابة من حضر فلم ينكره ؛ ولأن للحاكم مدخلاً في إيقاع الفرقة بين الزوجين بالعيوب والعنة وفي الإيلاء فجاز أن يملك بها تفويض ذلك إلى الحكمين .
والقول الثاني : أنه لا يصح من الحكمين إيقاع الفرقة والخلع إلا بتوكيل الزوجين ولا يملك الحاكم الإذن لهما فيه نص عليه الشافعي في كتاب الأم والإملاء وبه قال أبو حنيفة لقول الله تعالى : ( إِنْ يُريدَا إصْلاَحاً يُوَفِقُ اللهُ بَيْنَهُمَا ) ( النساء : 35 ) فدل على أن المردود إلى الحكمين الإصلاح دون الفرقة .
ولما روى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيد الله السلماني قال : جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه مع كل واحد منهما قيام من الناس يعني جمعاً فتلى الآية ، وبعث إلى الحكمين وقال : رويدكما حتى أعلمكما ماذا عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتكما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتكما ثم أقبل على المرأة ، وقال : أقد رضيت بما حكما ، قالت : نعم ، رضيت بكتاب الله علي ، ثم أقبل على الرجل ، فقال : قد رضيت بما حكما فقال : لا ، ولكن أرضى أن تجمعا ولا أرضى أن تفرقا ، فقال له علي : كذبت ، والله لا تبرح حتى ترضى بمثل الذي رضيت .
فموضع الدليل من هذا الخبر أنه لو ملك الحكمان ذلك بغير توكيل الزوجين لم يكن لرجوع علي رضي الله عنه إلى رضى الزوج وجه ، ولكان بإذن الحكمين فيه ، وإن امتنع .
فإن قيل : فما معنى قوله كذبت والله حتى ترضى بمثل الذي رضيت ، وكيف يكون امتناعه . من الرضى كذباً فعنه جوابان :
أحدهما : يجوز أن يكون تقدم منه الرضى ثم أنكره فصار كذباً وزال بالإنكار ما تقدم من التوكيل .