الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص595
قال الشافعي رحمه الله تبارك وتعالى ( وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) الآية ( قال ) وفي ذلك دلالةٌ على اختلاف حال المرأة فيما تعاتب فيه وتعاقب عليه فإذا رأى منها دلالةً على الخوف من فعلٍ أو قولٍ وعظها فإن أبدت نشوزاً هجرها فإن أقامت عليه ضربها وقد يحتمل ( تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز يكون لكم جمع العظة والهجر والضرب وقال عليه السلام ‘ لا تضربوا إماء الله ‘ قال فأتاه عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمدٍ نساءٌ كثيرٌ كلهن يشتكين أزواجهن فقال ( ص ) : ‘ لقد أطاف بآل محمدٍ سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم ‘ ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن فجعل لهم الضرب فأخبر أن الاختيار ترك الضرب ‘ .
قال الماوردي : أما نشوز المرأة على زوجها فهو امتناعها عليه إذا دعاها إلى فراشه مأخوذ من الارتفاع ، ولذلك قيل للمكان المرتفع نشز فسميت الممتنعة عن زوجها ناشراً لارتفاعها عنه وامتناعها منه ، ولا يخلو حال النشوز بين الزوجين من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون النشوز من الزوج على الزوجة ، والأصل فيه قول الله تعالى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمْا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ( النساء : 128 ) . وقد مضى الكلام فيما يلزمه بنشوزه عنه وما لا يلزمه فإن الذي يؤخذ به جبراً في نشوزه النفقة والكسوة والسكنى ، والقسم الذي يندب إليه استحباباً أن لا يهجر مباشرتها ولا يظهر كراهيتها ولا يسيء عشرتها .
والقسم الثاني : أن يكون النشوز من الزوجة على الزوج ، والأصل في بيان حكمه قول الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا