الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص471
والضرب الثاني : أن تطاوعه من غير إكراه ، ففي وجوب المهر عليه قولان :
أحدهما : وهو المنصوص عليه في هذا الموضع ، أنه لا مهر عليه ، لأن الحجر قد أبطل ذمته في الحقوق كما لو اشترى سلعة واستهلكها لم يضمن قيمتها .
والقول الثاني : قاله في القديم : أن عليه مهر مثلها ، لأن البضع لا ينتهك إلا بمهر في الشبهة أو حد في الزنا ، فلما سقط الحد وجب المهر وخالف السلع في البيوع ، لأنها تملك بالإباحة ، ولا يملك البضع بالإباحة .
فإذا تقرر هذان القولان :
فقد اختلف أصحابنا في موضع القولين .
فذهب البصريون منهم إلى أنهما مع جهلهما بسفهه ، وثبوت حجره ، فإن وجوب مهرها عليه يكون على قولين ، فأما إذا كانت عالمة بسفهه وحجره فلا مهر لها عليه قولاً واحداً ، لأن في تمكينها مع العلم بحاله إبراء له .
وقال البغداديون منهم بل القولان مع العلم بحاله مع الجهل بها في أن مهرها على قولين ، لأنه غرم يعتبر بفعله ، فعلى هذا إن أوجبنا عليه المهر أخذ من ماله في الحال . ولم ينظر به فكاك الحجر إلا أن يكون معسراً فينظر به على وقت يساره ، وإن أسقطنا عليه المهر فلا شيء عليه في الحال ، ولا بعد فكاك حجره في الحكم .
وهل عليه فيما بينه وبين الله تعالى بعد فكاك حجره أن يدفع إليها ما يصير البضع مستباحاً به أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا شيء عليه ، لأنه فعل ظاهر ، فإذا لم يلزمه به حق في الظاهر ، لم يلزمه في الباطن .
والوجه الثاني : عليه فيما بينه وبين الله تعالى ما يستحل به البضع ، لأن لا يكون مستبيحاً لبضعها بغير بذل فعلى هذا فيما يلزمه وجهان :
أحدهما : مهر مثلها ، لأنه قيمة مستهلك عليها .
والوجه الثاني : أن يستطيب نفسها بما يصير البضع مستباحاً به من غير تقدير مهر المثل ما لم يزد على مهر المثل ، لقوله ( ص ) : ‘ فلها المهر بما استحل من فرجها ‘ . ولأن لا يشارك رسول الله ( ص ) ، فيما خص به من استباحة الموهوبة بغير مهر . والله أعلم .