الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص330
وحكي أن يحيى بن أكثم دخل على المأمون فقال : يا أمير المؤمنين أحللت المتعة وقد حرمها رسول الله ( ص ) . فقال المأمون : يا يحيى إن تحريم المتعة حديث رواه الربيع بن سبرة أعرابي يبول على عقبيه ولا أقول به ، فقال يحيى بن أكثم : يا أمير المؤمنين هاهنا حديث آخر فقال : هاته يا يحيى فقال : حدثنا القعنبي . فقال المأمون : لا بأس به عن من ؟ قال يحيى : عن مالك فقال المأمون : كان أبي يبجله هيا فقال يحيى : عن الزهري ، فقال المأمون : كان ثقة في حديثه ، ولكن كان يعمل لبني أمية هيا ، فقال يحيى : عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي ابن الحنفية قال : ففكر المأمون ساعة ثم قال : كان أحدهما يقول بالوعيد والآخر بالإرجاء ( هيا ) قال يحيى : عن أبيهما محمد بن علي ، قال : هيا . قال يحيى عن علي بن أبي طالب قال : هيا قال يحيى : أن النبي ( ص ) نهى عام خيبر عن المتعة ، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية فقال المأمون : يا غلام اركب فناد أن المتعة حرام .
فإن قيل : فهذه الأحاديث مضطربة يخالف بعضها بعضاً ، لأنه روي في بعضها أنه حرمها عام خيبر ، وروي في بعضها أنه حرمها عام الفتح بمكة ، وروي في بعضها عنه حرمها في غزوة تبوك ، وروي في بعضها أنه حرمها في حجة الوداع وبين كل وقت ووقت زمان ممتد ففيه جوابان :
أحدهما : أنه تحريم كرره في مواضع ليكون أظهر وأنشر حتى يعلمه من لم يكن قد علمه ، ولأنه قد يحضر في بعض المواضع من لم يحضر معه في غيره ، فكان ذلك أبلغ في التحريم وأوكد .
والجواب الثاني : أنا كانت حلالاً فحرمت عام خيبر ثم أباحها بعد ذلك لمصلحة علمها ، ثم حرمها في حجة الوداع ، ولذلك قال فيها : ‘ وهي حرام إلى يوم القيامة ‘ تنبيهاً على أن ما كان من التحريم المتقدم موقت تعقبته إباحة وهذا تحريم مؤبد لا تتعقبه إباحة ولأنه إجماع الصحابة ، روي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي هريرة .
قال ابن عمر : لا أعلمه إلا السفاح نفسه .
وقال ابن الزبير : المتعة هي الزنا الصريح .
فإن قيل : فقد خالفهم ابن عباس ومع خلافه لا يكون الإجماع ، قيل : قد رجع ابن عباس عن إباحتها وأظهر تحريمها وناظره عبد الله بن الزبير عليها مناظرة مشهورة ، وقال له عروة بن الزبير : أهلكت نفسك ، قال : وما هو يا عروة قال : تفتي بإباحة المتعة ، وكان أبو بكر وعمر ينهيان عنها ، فقال : عجبت منك ، أخبرك عن رسول الله ( ص ) وتخبرني عن أبي بكر وعمر ، فقال له عروة : إنهما أعلم بالسنة منك فسكت .