الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص301
قال الشافعي رحمه الله : ‘ وإذ أثبت رسول الله ( ص ) نكاح الشرك وأقر أهله عليه في الإسلام لم يجز والله أعلم إلا أن يثبت طلاق الشرك لأن الطلاق يثبت بثبوت النكاح ويسقط بسقوطه فإن أسلما وقد طلقها في الشرك ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ولو تزوجها غيره في الشرك حلت له ولمسلمٍ لو طلقها ثلاثاً ‘ .
قال الماورد : وهذا كما قال : نكاح الشرك صحيح ، والإقرار عليه جائز ، وطلاق الشرك واقع ، وحكم الفرقة ثابت .
وقال مالك ، مناكحهم باطلة ، وإن أقروا عليها ، وطلاقهم غير واقع واستدل على بطلان مناكحهم بقول النبي ( ص ) : ‘ اتقوا الله في النساء فإنما ملكتم فروجهن بكلمة الله تعالى يعني بكتاب الله ودين الإسلام فلم يجز أن يملكها بغير ذلك ، ولأنهم قد كانوا يعتقدون إلقاء الثوب على المرأة نكاحاً وقهرها على نفسها نكاحاً ، والمبادلة بالنساء نكاحاً ، وكل ذلك مردود بالشرع فلم يجز أن يصح في الإسلام ، واستدل على أن طلاقهم لا يقع ولا يلزم يقول الله تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينِ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) ( الأنفال : 38 ) . فاقتضى أن يكون الطلاق مغفوراً ، قال : ولأنهم كانوا يرون الظهار طلاقاً مؤبداً ، وقد أبطله الله تعالى وغير حكمه .
ودليلنا : أن الله تعالى أضاف إليهم مناكح نسائهم فقال في امرأة أبي لهب : ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ ) ( المسد : 4 ) . وفي امرأة فرعون : ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعُوْنَ قُرَّةَ عِيْنٍ لِي وَلَكَ ) ( القصص : 9 ) . والإضافة محمولة على الحقيقة مقتضية للتمليك وقال النبي ( ص ) : ‘ ولدت من نكاح لا من سفاح ‘ وكانت مناكح آبائه في الشرك تدل على صحتها ، ووقوع الفرق بينها وبين السفاح ، ولأن النبي ( ص ) رجم يهوديين زنيا ولا يرجم إلا محصناً بنكاح ، ولأنها مناكح يقر عليها أهلها فوجب أن يحكم بصحتها قياساً على مناكح المسلمين .
فأما الجواب عن استدلالهم بالخبر فمعنى قوله : ‘ استحللتم فروجهن بكلمة الله ‘ أي بإباحة الله ، وقد أباح الله تعالى مناكحهم بإقرارهم عليها .