پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص260

قال : ولأن اختلاف الدار بهما حكماً وفعلاً يوجب الفرقة بينهما قياساً على سبي أحدهما واسترقاقه .

قال : ولأن دار الحرب دار غلبة ، وقهر ، لأن من غلب فيها على شيء ملكه ألا ترى لو غلب العبد سيده على نفسه صار العبد حراً وصار السيد له عبداً ولو غلبت المرأة زوجها على نفسه بطل نكاحها ، وصار الزوج لها عبداً فاقتضى أن تصير الزوجة بإسلامها إذا هاجرت من دار الحرب متغلبة على نفسها فوجب أن يبطل نكاحها .

والدليل على أن اختلاف الدارين لا يوجب وقوع الفرقة بإسلام أحد الزوجين ما روي أن أبا سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران ، وهي بحلول رسول الله ( ص ) فيها واستيلائه عليها دار الإسلام وزوجتاهما على الشرك بمكة وهي إذ ذاك دار الحرب ثم أسلمتا بعد الفتح فأقرهما رسول الله ( ص ) على النكاح .

فإن قيل : مر الظهران من سواد مكة ، وتابعة لها في الحكم فلم يكن إسلامها إلا في دار واحدة ، ففيه جوابان :

أحدهما : أن مر الظهران دار الخزاعة محازة عن حكم مكة ؛ لأن خزاعة كانت في حلف رسول الله ( ص ) وكانت بنو بكر في حلف قريش ، ولنصرة النبي ( ص ) لخزاعة صار إلى قريش بمكة .

والجواب الثاني : أن مر الظهران لو كان من سواد مكة لجاز أن ينفرد عن حكمها باستيلاء الإسلام عليها ، كما لو فتح المسلمون سواد بلد من دار الحرب صار ذلك السواد دار إسلام ، وإن كان البلد دار الحرب ويدل على ذلك ما روي أن النبي ( ص ) لما دخل مكة عام الفتح ، هرب صفوان بن أمية إلى الطائف ، وهرب عكرمة بن أبي جهل إلى ساحل البحر مشركين فأسلمت زوجاتهما بمكة ، وكانت زوجة صفوان برزة بنت مسعود بن عمرو الثقفي ، وزوجة عكرمة أم عكيم بنت الحارث به هشام بن المغيرة ، وأخذتا من رسول الله ( ص ) أماناً لهما فدخل صفوان من الطائف بالأمان وأقام على شركه حتى شهد مع رسول الله ( ص ) حنيناً وأعاره سلاحاً ثم أسلم ، وعاد عكرمة من ساحل البحر وقد عزم على ركوبه هرباً فأسلم فأقرهما رسول الله ( ص ) مع زوجتيهما مع اختلاف الدارين بهما لأن مكة كانت قد صارت بالفتح دار إسلام ، وكانت الطائف والساحل دار حرب .

فإن قيل : هما من سواد مكة وفي حكمهما .

فالجواب عنه بما مضى .

ومن القياس : أنه إسلام بعد الإصابة فوجب إذا اجتمعا عليه في العدة أن لا تقع به الفرقة قياساً على اجتماع إسلامهما في دار الحرب ؛ ولأن ما كانت البينونة به منتظرة لم يؤثر فيه اختلاف الدارين كالطلاق الرجعي ، وما كانت البينونة معجلة ، لم يؤثر فيه اتفاق الدارين كالطلاق الثلاث فوجب أن يكون الفرقة بالإسلام ملحقة بأحدهما .