الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص234
وقال آخرون : لا يعتبر فيه شيء من هذه الشرائط ، ويكون نكاحها كنكاح الحرة .
فأما أبو حنيفة فاستدل على أن عدم الطول وخوف العنت غير معتبرين بعموم قوله تعالى : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) فكان على عمومه في نكاح ما طاب من الحرائر والإماء ثم قال في آخر الآية : ( فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ ) ( النساء : 3 ) يعني فنكاح واحدة من الحرائر أو نكاح واحدة مما ملكت أيمانكم فكان هذا نصاً فصار أول الآية دليلاً من طريق العموم وآخرها دليلاً من طريق النص ، واستدل أيضاً بقوله تعالى : ( وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٌ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) ( البقرة : 221 ) وقد ثبت أن له أن يتزوج الكتابية الحرة من غير شرطٍ فالأمة المؤمنة هي التي خير منها أولى أن يجوز نكاحها .
ومن القياس : أنه ليس تحته حرة فجاز له نكاح الأمة كالعادم للطول والخائف للعنت ، ولأن كل من حل له نكاح الأمة إذا خشى العنت حل له نكاحها ، وإن أمن العنت كالعبد ؛ ولأن كل من حل له نكاحها إذا لم يجد طولاً حل نكاحها ، وإن وجد طولاً كالحرة ، ولأن كل نقص لم يمنع من النكاح إذا لم يقدر على سليم منه لم يمنع من النكاح ، وإن قدر على سليم منه قياساً على نكاح الكافرة مع القدرة على مسلمة ولا وجود نكاح الأخت يمنع من نكاح أختها ووجود مهرها لا يمنع ؛ كذلك وجود الحرة يمنع من نكاح الأمة ووجود مهرها لا يمنع .
ودليلنا قول الله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طُوْلاً أَنْ يَنْكَحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ مِنَ فَتَيَاتِكُمْ المُؤْمِنَاتِ ) إلى قوله : ( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ وَأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( النساء : 25 ) فأباح نكاح الأمة بشرطين :
أحدهما : عدم الطول .
والثاني : خوف العنت .
فأما الطول : فهو المال والقدرة مأخوذ من الطول ؛ لأنه ينال به معالي الأمور كما ينال الطول معالي الأشياء .
وأما العنت ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه الزنا .
والثاني : أنه الحد الذي يصيبه من الزنا .
فلما جعل الإباحة مقيدة بهذين الشرطين لم يصح نكاحهما إلا بهما .
فإن قالوا هذا الاحتجاج بدليل الخطاب وهو عندنا غير حجة ، فعنه جوابان :
أحدهما : أنه دليل خطاب عندنا حجة فجاز أن هي دلائلنا على أصولها .
والجواب الثاني : أنه شرط علق به الحكم ؛ لأن لفظة ‘ من ‘ موضعه للشرط ويكون