پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص221

فصل

فإذا تقرر ما وصفنا من أن اليهود والنصارى من أهل الكتاب قد كانوا على دين حق ثم نسخ فيجوز لحرمة كتابهم أن يقروا على دينهم بالجزية أي يزكوا وتؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم فأما إقرارهم بالجزية وأكل ذبائحهم فمجمع عليه بالنص الوارد في كتاب الله تعالى فيه ، أما الجزية فلقوله تعالى : ( حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ ) ( التوبة : 29 ) فأما أكل الذبائح فقوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) ( المائدة : 5 ) أما نكاح حرائرهم فالذي عليه جمهور الصحابة والتابعين غير الإمامية من الشيعة ، أنهم منعوا من نكاح حرائرهم مع القدرة على نكاح المسلمات استدلالاً بقوله تعالى : ( وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ ) ( الممتحنة : 10 ) وقوله تعالى : ( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ) ( المائدة : 51 ) الآية قالوا : ولأن بغضهم يمنع من نكاح نسائهم كعبدة الأوثان قالوا : ولأنهم وإن كانوا أهل كتاب منزلٍ فكتابهم مغير منسوخ وما نسخه الله تعالى ارتفع حكمه فلم يفرق بينه وبين ما لم يكن ، فكذلك صاروا بعد نسخه في حكم من لا كتاب له ، وهذا خطأ لقوله تعالى : ( وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ( المائدة : 5 ) فجمع بين نكاحهن ونكاح المؤمنات فدل على إباحته .

فإن قيل : فهذا منسوخ بقوله تعالى : ( وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة : 221 ) متقدمة ، لأنها من سورة البقرة ، وقوله : ( وَالمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) متأخرة ؛ لأنها من سورة المائدة وهي من آخر ما نزل من القرآن ، والمتأخر هو الناسخ للتقدم وليس يجوز أن يكون المتقدم ناسخاً للمتأخر ، فعلى هذا الجواب يكون قوله : ( وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) منسوخاً بقوله : ( وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ( المائدة : 5 ) وهذا قول ابن عباس .

والجواب الثاني : أن قوله : ( لاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة : 221 ) عام وقوله : ( وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) خاص ، والخاص من حكمه أن يكون قاضياً على العام ومخصصاً له سواء تقدم عليه أو تأخر عنه ، فعلى هذا يكون قوله : ( ولاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة : 221 ) مخصوصاً بقوله : ( وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ( المائدة : 5 ) وهذا هو الظاهر من مذهب الشافعي ، وأن اسم الشرك ينطلق على أهل الكتاب وغيرهم من عبدة الأوثان ، وذهب غيره من الفقهاء : إلى أن أهل الكتاب ينطلق على اسم الكفر ولا ينطلق عليه اسم الشرك ، وأن اسم الشرك ينطلق على من لم يوحد الله تعالى وأشرك به غيره من عبدة الأوثان فعلى هذا القول يكون قوله : ( ولاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) مخصوصاً ولا منسوخاً ثم حكمه ثابت على عمومه .

ثم يدل على جوازه نكاحهم ما روي أن النبي ( ص ) : ‘ ملك ريحانة وكانت يهودية واستمتع بها بملك اليمين ‘ ثم أسلمت فبشر بإسلامها فسر به ، ولو منع الدين منها لما استمتع بها كما لم يستمتع بوثنية ولأنه إجماع الصحابة ، روى عن عمر جوازه ، وعن عثمان أنه نكح