الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص221
فإن قيل : فهذا منسوخ بقوله تعالى : ( وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة : 221 ) متقدمة ، لأنها من سورة البقرة ، وقوله : ( وَالمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) متأخرة ؛ لأنها من سورة المائدة وهي من آخر ما نزل من القرآن ، والمتأخر هو الناسخ للتقدم وليس يجوز أن يكون المتقدم ناسخاً للمتأخر ، فعلى هذا الجواب يكون قوله : ( وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) منسوخاً بقوله : ( وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ( المائدة : 5 ) وهذا قول ابن عباس .
والجواب الثاني : أن قوله : ( لاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة : 221 ) عام وقوله : ( وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) خاص ، والخاص من حكمه أن يكون قاضياً على العام ومخصصاً له سواء تقدم عليه أو تأخر عنه ، فعلى هذا يكون قوله : ( ولاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة : 221 ) مخصوصاً بقوله : ( وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ( المائدة : 5 ) وهذا هو الظاهر من مذهب الشافعي ، وأن اسم الشرك ينطلق على أهل الكتاب وغيرهم من عبدة الأوثان ، وذهب غيره من الفقهاء : إلى أن أهل الكتاب ينطلق على اسم الكفر ولا ينطلق عليه اسم الشرك ، وأن اسم الشرك ينطلق على من لم يوحد الله تعالى وأشرك به غيره من عبدة الأوثان فعلى هذا القول يكون قوله : ( ولاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) مخصوصاً ولا منسوخاً ثم حكمه ثابت على عمومه .
ثم يدل على جوازه نكاحهم ما روي أن النبي ( ص ) : ‘ ملك ريحانة وكانت يهودية واستمتع بها بملك اليمين ‘ ثم أسلمت فبشر بإسلامها فسر به ، ولو منع الدين منها لما استمتع بها كما لم يستمتع بوثنية ولأنه إجماع الصحابة ، روى عن عمر جوازه ، وعن عثمان أنه نكح