الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص207
كالبنات الربائب لا يحرمن إلا بالدخول ، وحكي عن زيد بن ثابت أنه إن طلق الزوجة لم تحرم الأم إلا بالدخول كالربيبة ، وإن ماتت حرمت الأم وإن لم يدخل بها بخلاف الربيبة ، لأن الموت في كمال المهر كالمدخول واستدلالاً في إلحاق ابنتها بالربائب في تحريمهن بالدخول بقوله تعالى : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبِكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) ( النساء : 23 ) فذكر جنسين هما الأمهات والربائب ثم عطف عليهما اشتراط الدخول في التحريم فاقتضى أن يكون راجعاً إلى المذكورين معاً ولا يختص بالرجوع إلى أحدهما ، وهو للشافعي ألزم ، لأنه يقول : إن الشرط والكتابة والاستثناء إذا تعقب جملة رجع إلى جميعها ولم يختص بأقرب المذكورين منها كما لو قال رجل : امرأتي طالق وعبدي حر ، والله لا دخلت الدار إن شاء الله كان الاستثناء بمشيئة الله راجعاً إلى الطلاق والعتق واليمين ولم يختص عنده برجوعه إلى اليمين كذلك يلزمه أن لا يجعل اشتراط الدخول راجعاً إلى الربائب دون الأمهات حتى يكون راجعاً إليهما معاً .
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه والجماعة من اشتراط الدخول في الربائب دون الأمهات قوله تعالى : : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبِكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) ( النساء : 23 ) فكان الدليل من هذه الآية على أن شرط الدخول عائد إلى الربائب دون الأمهات من خمسة أوجه :
أحدها : قوله تعالى : : ( وَرَبَائِبِكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) ( النساء : 23 ) وليست أم الزوجة منها وإنما الربيبة منها فدل على أن الدخول مشروط في الربيبة لأنها من الزوجة دون الأم التي ليست من الزوجة .
والثاني : هو ما ذكره سيبويه أن الشرط والاستثناء إنما يجوز أن يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره إذا حسن أن يعود إلى كل واحد منهما على الانفراد وإن لم يحسن لم يعد إلى الأقرب وهو لو قال : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن لم يحسن فلم يعد إليه .
والثالث : وهو ما قاله المبرد : أنه إذا اختلف العامل في إعراب الجملتين لم يعد الشرط إليهما ، وعاد إلى أقربهما وإن لم يختلف العامل في إعرابهما عاد إليهما والعامل هاهنا في إعراب الجملتين مختلف فذكر النساء مع الأمهات مجرور بالإضافة لقوله : ( وَأُمَهّاتُ نِسَائِكُمْ ) وذكر النساء من الربائب مجرور بحرف الجر وهو قوله : : ( وَرَبَائِبِكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ ) فلما اختلف عامل الجر في الموضعين لم يجز أن يعود الشرط إليهما وعاد إلى أقربهما :
الرابع : أن الأمر قد تقدمها مطلق وتعقبها مشروط فكان إلحاقها بالمطلق المتقدم أولى من إلحاقها بالمشروط المتأخر :
والخامس : أن المطلق أعم والمشروط أخص فكان إلحاق المبهم بالمطلق الأعم أولى من إلحاقه بالمشروط الأخص ، ويدل عليه من طريق السنة ما رواه المثنى بن الصباح