پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص160

والقول الثاني : قاله في كتاب ‘ التعريض بالخطبة من كتب الأمالي ‘ : إن النكاح صحيح ، وبه قال أبو حنيفة استدلالاً بأمرين :

أحدهما : أن قوله : قبلت إنما هو جواب للبذل الصريح وجواب الصريح يكون صريحاً كقوله تعالى : ( فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ ) ( الأعراف : 44 ) . أي نعم وجدناه ، وكقوله : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) ( الأعراف : 172 ) . أي : بلى أنت ربنا ، وكما لو ادعى رجل على رجل ألف درهم فسأله الحاكم عنها ، وقال أله عليك ألف ، فقال : نعم ، كان إقرار منه بالألف وجرى مجرى قوله : نعم له علي ألف ، فكذلك يجب أن يكون قوله في النكاح قد قبلت بعد تقدم البذل الصريح قبولاً صريحاً فجرى مجرى قوله : قبلت نكاحها .

والثاني : إن البذل والقبول معتبر في عقد النكاح كاعتباره في عقد البيع ثم ثبت أنه لو قال البائع : بعتك عبدي هذا بألف فقال المشتري : قبلت إن البيع قد انعقد وجرى ذلك مجرى قوله قبلت هذا البيع ، ويجب أن يكون النكاح بمثابته قد زوجكتها فقال الزوج قبلت أن ينعقد النكاح فجرى مجرى قوله قبلت نكاحها ، فعلى هذا القول إذا جعلناه قبولاً صحيحاً يكون قبولاً للنكاح والصداق جميعاً ، لأن القبول مطلق فرجع إلى ما تقدم من ذكر النكاح والصداق وخالف قوله : قبلت نكاحها حيث جعلناه راجعاً إلى قبول النكاح الذي سماه دون الصداق الذي أغفله ، لأن مع التسمية تصير تخصيصاً ومع الإطلاق يكون عموماً ، وإذا قيل بالقول الأول إن النكاح باطل ، وهو أصح القولين فدليله ما قدمناه أن عقد النكاح لا يتم إلا بصريح اللفظ دون المعنى ، وقوله : قبلت فيه معنى التصريح وليس بصريح فينعقد به النكاح وجاز أن ينعقد به البيع ، لأنه يتم بالصريح وبمعنى الصريح بخلاف النكاح ، وليس إطلاق جواب الصريح يكون صريحاً في جميع الأحوال ألا ترى لو قالت امرأة لزوجها : طلقني ثلاثاً ، فقال : نعم لم يكن ذلك صريحاً في طلاقها ، وإن كان جواباً ، ولو قال : نعم أنت طالق لم تكن ثلاثاً ، وإن سألته ثلاثاً فلم يسلم الاستدلال بالبيع لما ذكرنا من الفرق بينهما ، ولا كان إطلاق الجواب كالصريح ، لما ذكرنا ، فأما إذا قرن النكاح بينهما بواسط من حاكم أو خطيب فقال للولي : زوجته فلانة ، فقال : نعم ، فقال الزوج : قبلت نكاحها ، فقال : نعم لم ينعقد النكاح قولاً واحداً ، لأن صريح اللفظ لم يؤخذ من واحد منهما .

وقال أبو حنيفة : ينعقد بناء على أصله واعتباراً بالبيع في أن رجلاً لو قال للبائع بعته عبدك هذا بألف فقال : نعم ، وقال المشتري : اشتريته بالألف ، فقال : نعم ، إن البيع منعقد فكذلك النكاح ، وهذا خطأ لما ذكرنا من أن معنى الصريح لا يقوم في النكاح مقام الصريح ويقوم في البيع مقام الصريح ، ولأن النكاح لما خالف البيع في تغليظه بالولي والشاهدين