الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص134
فالجنون عذر ، وليست فيه عاصية فهلا كانت نفقتها مع تعذر الاستمتاع باقية كما لو مرضت أو صلت أو صامت ؟ قيل : حقوق الأموال بين الآدميين تستوي في وجوبها سقوطها حكم المطيع والعاصي والمعذور وغير المعذور ألا ترى أن البائع لو تلفت السلعة في يده لجائحة سمائية فهو معذور مطيع وقد سقط في مقابلتها من الثمن كما لو استهلكها بنفسه فصار عاصياً غير معذور كما أن الزوجة لو سافرت في الحج سقطت نفقتها وإن كانت مطيعة كما لو هربت ناشزاً في معصية فكذلك حال المجنونة .
فأما المريضة فهي غير ممتنعة منه وإنما المرض منعه منها كما يمنع الحيض ، ولو منعته في المرض ما أمكن أن يستمتع به من المريضة من نظر وقبلة ولمس وسقطت نفقتها فأما ما وجب من صلاة وصيام فالشرع قد استثنى زمانه من الاستمتاع كما أن زمان النوم مستثنى والله أعلم .
قال الماوردي : أما قوله : ‘ لا إيلاء عليه ‘ فلم يرد أنه لا يصح منه الإيلاء فيهما ؛ لأن الإيلاء يمين يصح من الزوج في العاقلة فصحت منه في المجنونة ، وإنما أراد به أن لا يطالب بحكم إيلائه فيهما وإن صح إيلاؤه منهما وإذا مضى على الزوج مدة الإيلاء أربعة أشهر وهي على جنونها أو آلى منها وهي عاقلة فانقضت مدة الإيلاء وقد جنت ، فالحكم فيهما سواء وليس للولي مطالبة الزوج بفيئه ولا طلاق ؛ لأن المطالبة حق لها يرجع فيها إلى شهرتها في العفو عنه أو المطالبة به ولا يصح منها مع الجنون مطالبةٌ ولا للولي فيه مدخل فيطالب لكن يقال للزوج ينبغي لك وإن لم يجب عليك المطالبة بحقها إن تتقي الله تعالى فيها فتفيء أو تطلق ليكون خارجاً من حق الإيلاء أن لو كانت مطالبته حتى لا تكون مرتهناً بحق بقدر على الخروج منه قبل المطالبة به .
قال الماوردي : وهذا صحيح .
إذا قذف الرجل زوجته المجنونة بالزنا فلا حد عليه لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةٍ ) ( النور : 4 ) والمحصنة الكاملة بالعقل والعفاف ؛ ولأن حد القذف يجب للحوق المعرة بالمقذوفة ، والمجنونة لا يلحقها بالزنا عار ؛ لأنها لا تفرق بين القبيح والحسن ولا بين المبارح والمحذور ؛ ولأن حد القذف على القاذف في مقابلة حد الزنا على المقذوف ، والمجنونة لو ثبت زناها لم تحد فلم يجب على قاذفها