الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص52
إحداهما : الفرق بينهما في صفة الإذن .
والثاني : الفرق بينهما في الإجبار على العقد ، ونحن نقدم الكلام في الإجبار على العقد لأنه أصل لم يعقبه بصفة الإذن في موضعه ، فنقول : النساء ضربان : أبكار ، وثيب .
فأما الثيب فيأتي حكمهن .
وأما الأبكار فلهن حالتان حالة مع الأباء ، وحالة مع غيرهم من الأولياء .
فما حالهن مع الآباء فهن ضربان : صغار ، وكبار .
فأما صغار الأبكار فللآباء إجبارهن على النكاح فيزوج الأب ابنته البكر الصغيرة من غير أن يراعي فيه اختيارها ويكون العقد لازماً لها في صغرها وبعد كبرها ، وكذلك الجد وإن علا يقوم في تزويج البكر الصغيرة مقام الأب إذا فقد الأب .
والدليل عليه ، وإن كان وفاقاً قوله تعالى : ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ ) ( الطلاق : 4 ) يعني الصغار ، والصغيرة تجب العدة عليها من طلاق الزوج ، فدل على جواز العقد عليها في الصغر .
وروي عن عائشة أنها قالت : تزوجني رسول الله ( ص ) وأنا ابنة سبع ، ودخل بي وأنا ابنة تسع ، ومات عني ، وأنا ابنة ثماني عشر .
وقال أبو حنيفة : ليس للأب إجبار البكر البالغ على العقد إلا عن إذن .
وبه قال الأوزاعي والثوري ، فجعل الإجبار معتبراً بالصغيرة دون البكارة ، وجعل الشافعي الإجبار معتبراً بالبكارة دون الصغر ، واستدل من نص قول أبي حنيفة برواية عطاء عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر فمات ففرق رسول الله ( ص ) بينهما ، وبرواية عائشة أن النبي ( ص ) قال : ‘ استأمروا النساء في أبضاعهن ‘ فكان على عمومه ، ولأنها متصرفة في مالها فلا يجوز إجبارها على النكاح كالثيب ؛ ولأن كل من زال عنه الحجر في ماله زال عنه الحجر في نكاحه كالرجل .
ودليلنا رواية الشافعي عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها ‘ فلما جعل الثيب أحق بنفسها من وليها علم أن ولي البكر أحق بها من نفسها ويكون قوله : ‘ والبكر تستأذن في نفسه ‘ محمولاً على الاستحباب دون الوجوب استطابة للنفس ، لأنه لو كان محمولاً على الوجوب لصارت أحق بنفسها من وليها كالثيب .