الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص35
وفي يؤدم قولان :
أحدهما : وهو قول أصحاب الحديث : أنه يعني يدوم فقدم الواو على الدال كما قال في ثمر الأراكة : ‘ كلوا منه الأسود فإنه أطيب ‘ بمعنى أطيب فيكون مأخوذاً من الدوام .
والقول الثاني : – وهو قول أهل اللغة – أنه المحابة وإن لا يتنافروا مأخوذاً من إدام الطعام ، لأنه يطيب به فيكون مأخوذاً من إدام لا من الدوام ، ثم من مر الدليل على جواز أن ينظر المعقود عليه أبلغ في صحة العقد من فقده فاقتصر على نظر الوجه والكفين لخروجهما عن حكم العورة وإن في الوجه ما يستدل به على الجمال ، وفي الكفين ما يستدل به على خصب البدن ونعمته فأغناه ذلك عن النظر إلى غيره .
فإذا ثبت ذلك جاز نظره بإذنها وغير إذنها .
وقال مالك : لا يجوز أن ينظر إلا بإذنها ودليلنا رواية جابر قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ إن خطب أحدكم امرأةً فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ‘ قال : فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها ، ولأنه إن كان النظر مباحاً لم يفتقر إلى إذن ، وإن كان محظوراً لم يستبح بالإذن .
فإذا تقرر ما ذكرنا لم يخل نظر الرجل الأجنبي إلى المرأة الأجنبية من أحد أمرين : إما أن يكون لسبب أو لغير سبب ، فإن كان لغير سبب منع منه لقوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبْصَارِِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) ( النور : 31 ) . ومنعت من النظر إليه لقوله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) ( النور : 31 ) ، ولأن نظر كل واحد منهما إلى صاحبه داعية إلى الافتتان به روي أن النبي ( ص ) صرف وجه الفضل بن العباس وكان رديفه بمنى عن النظر إلى الخثعمية ، وكانت ذات جمال وقال : شاب وشابة ، وأخاف أن يدخل الشيطان بينهما .
فإن نظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه كان حراماً ، وإن نظر إلى عورة غيره كان مكروهاً ، فإن كان النظر لسبب فضربان : محظور ومباح ، فالمحظور كالنظر بمعصية وفجور فهو أغلظ تحريماً ، وأشد مأثماً من النظر بغير سبب ، والمباح على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون لضرورة كالطبيب يعالج موضعاً من جسد المرأة ، فيجوز أن ينظر إلى ما دعت إليه الحاجة إلى علاجه من عورة وغيرها ، إذا أمن الافتتان بها ولا يتعدى بنظره إلى ما لا يحتاج إلى علاجه .