الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص20
الفيء ، والغنيمة لبقاء تحريمهن وقد أنفق عليهن أبو بكر رضي الله عنه وأجرى لهن عمر رضي الله عنه عطاءً فائضاً ، فهذا حكم من مات عنهن رسول الله ( ص ) من زوجاته .
أحدها لا يحرمن سواء دخل بهن أو لم يدخل لقوله تعالى : ( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) ( الأحزاب : 28 ) وإرادة الدنيا منهن هي طلب الأزواج لهن ؛ لأن النبي ( ص ) قال : ‘ أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة ‘ وليس المطلقات من أزواجه في الآخرة .
والوجه الثاني : أنهن يحرمن سواء دخل بهن أو لم يدخل بهن تعظيماً لحرمة الرسول فيهن لقوله ( ص ) : ‘ كل سبب ونسبٍ ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ‘ وليحفظ الله تعالى محبة رسوله في قلوب أمته ، فإن العادة أن زوج المرأة يبغض من تقدمه من أزواجها والتعرض لبغض الرسول كفرٌ .
والوجه الثالث : وهو الأصح ، أنه إن لم يكن دخل بهن لم يحرمن ، وإن كان دخل بهن حرمن صيانة لخلوة الرسول أن تبدوا ، فإن من عادة المرأة إن تزوجت ثانياً بعد الأول أن تذم عنده الأول إن حمدته ، وتحمد عنده الأول إن ذمته ؛ ولأنه كالإجماع من جهة الصحابة ، روي أن النبي ( ص ) تزوج في سنة عشر التي مات فيها في شهر ربيع الأول قتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي ، ولم يدخل بها فأوصى في مرضه أن تخير إن شاءت ، وأن يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين ويحرم عليها ما يجري على أمهات المؤمنين ، وإن شاءت أن تنكح من شاءت نكحت فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت ، فبلغ ذلك أبا بكر فقال هممت أن أحرق عليكما فقال عمر ما هي من أمهات المؤمنين ما دخل بها رسول الله ( ص ) ولا ضرب عليها حجاباً فكف عنها أبو بكر .
وروي أن الأشعث بن قيس تزوج امرأة كان رسول الله ( ص ) تزوجها وفارقها فهم عمر برجمه مما حتى بلغه أن رسول الله ( ص ) لم يدخل بها فكف عنهما ، فصار ذلك كالإجماع فإن قلنا : إنها لا تحرم لم تجب نفقتها ، وإن قلنا : إنها محرمة ، ففي وجوب نفقتها في سهم رسول الله ( ص ) من الخمس وجهان :
أحدهما : تجب كما تجب نفقات من مات عنهن لتحريمهن .
والوجه الثاني : لا تجب ؛ لأنها لم تجب قبل الوفاة فأولى أن لا تجب بعدها ، ولأنها مبتوتة العصمة بالطلاق .