الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص14
تعالى : ( يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزْوَاجِكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ ) الآية ( الأحزاب : 50 ) .
والإحلال يقضي عدم الحظر ، ولم يحظر على النبي ( ص ) النكاح قبل التخيير فدل على أن الإحلال والإباحة بعد حظر التخيير .
فإن قيل : فإن الإحلال إنما يوجه إلى نسائه اللاتي خيرهن واخترنه وهذا قول مجاهد قيل : لا يصح من وجهين :
أحدهما : أنهن قد كن حلاله قبل نزول هذه الآية بإحلالهن .
والثاني : أنه قال فيها : ( وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ ) ( الأحزاب : 50 ) ولم يكن في نسائه المتخيرات أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته .
فإن قيل ؛ فهذه الآية متقدمة على التلاوة على قوله تعالى : ( لاَ تَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِنْ بَعْدُ ) ولا يجوز أن يكون المتقدم ناسخاً للمتأخر ، قيل هي وإن كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في التنزيل ، فجاز النسخ بها كما أن قوله تعالى : ( وَالّذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً ) ( البقرة : 234 ) ناسخ لقوله تعالى : ( وَالّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ وَيَذَرُونَ أزْوَاجاً وَصِيةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَولِ ) ( البقرة : 240 ) وهي متقدمة في التلاوة لكنها متأخرة في التنزيل .
فإن قيل : فهلا قدمت تلاوة ما تأخر تنزيله ؟
قيل : لأن جبريل عليه السلام كان إذا نزل على رسول الله ( ص ) بآية من القرآن أمره أن يضعها في موضع كذا فإن قيل : فلما أمره بتقديم تلاوة ما تأخر تنزيله قيل : لسبق القارئ إلى معرفة حكمه حتى إن لم يعرف حكم ما بعده من المنسوخ أجزأه ، ويدل على نسخ الحظر أيضاً أن النبي ( ص ) اصطفى صفية بنت حييّ من سبي خيبر سنة ثمانٍ فأعتقها وتزوجها وذلك بعد التخيير فقد قالت عائشة وأبي بن كعب : ما مات رسول الله ( ص ) حتى أبيح له النساء ، وهما بذلك أعرف ؛ ولأن علة الحظر الضيق والشدة ، فإذا زالت زال موجبها ، وقد فتح الله تعالى على رسوله حتى وسع على نسائه ، وأجرى لكل واحد منهن ثمانين صاعاً من تمر وأربعين صاعاً من شعير سوى الهدايا والألطاف وأما الاستدلال بالآية فقد ذكرنا وجه نسخها ، وأما الجزاء وهو مشروط بحال الضيق والشدة ، وأما الطلاق فالفرق بينه وبين التزويج عليهن أن في طلاقهن قطعاً لعصمتهن ويخرجن به أن يكون من أزواجه في الآخرة وليس في التزويج عليهن قطع لعصمتهن فافترقا والله أعلم .
فإذا ثبت نسخ الحظر مما ذكرنا فقد اختلف أصحابنا في الإباحة هل هي عامة في جميع النساء أو مقصورة على المسميات في الآية . إذا هاجرن معه على وجهين :
أحدهما : أن الإباحة مقصورة على المسميات من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله