الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص11
أحدها : أن نساءه تغايرن عليه فحلف أن لا يكلمهن شهراً فأمر بتخييرهن ، وهذا قول عائشة .
والثاني : أنهن اجتمعن يوماً وقلن : نريد ما تريد النساء من الثياب والحلي وطالبنه وكان غير مستطيع فأمر بتخييرهن ( حكاه النقاش ) .
والثالث : أن الله تعالى أراد امتحان قلوبهن ليرتضي رسول الله ( ص ) خير نساء خلقه ، فخيرهن . والرابع : أن الله تعالى صان خلوة نبيه ، فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فلما أجبن إلى ذلك أمسكهن ، وهذا قول مقاتل .
والخامس : أن الله تعالى خير نبيه بين الغنى وبين الفقر ، فنزل عليه جبريل وقال إن الله تعالى يقرئك السلام ، ويقول : إن شئت يا محمد جعلت لك جبالاً ذهباً فقال صف لي الدنيا فقال حلالها حساب ، وحرامها عذاب ، فاختار الفقر على الغنى والآخرة على الدنيا ، وقال : لأن أجوع يوماً فأحبروأشبع يوماً فأشكر خير من الدنيا وما فيها ، اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين فحينئذ أمره الله تعالى بتخيير نسائه ، لما في طباع النساء من حب الدنيا فلما نزل عليه التخيير بدأ رسول الله ( ص ) بعائشة وكانت أحب نسائه إليه وأحدثهن سنًّا – فتلا عليها آية التخيير – حتى تستأمري أبويك – ، لأنه خاف مع حبه لها أن تعجل لحداثة سنها فتختار الدنيا ، فقالت : أفيك يا رسول الله استأمر أبويّ ، قد اخترت الله ورسوله والدار الآخرة وسألته أن يكتم عليها اختيارها عند أزواجه فقال ( ص ) : ما كان النبي أن يغل ، ثم دخل على أزواجه فكان إذا دخل على واحدة منهن تلا عليها الآية تقول : ما اختارت عائشة ، فيقول : اختارت الله ورسوله والدار الآخرة حتى دخل على فاطمة بنت الضحاك الكلابية وكانت من أزواجه فلما تلا عليها الآية فقالت : قد اخترت الحياة الدنيا وزينتها فسرحها فلما كان في زمن عمر وجدت تلقط البعر وهي تقول اخترت الدنيا على الآخرة فلا دنيا ولا أخرة .
فإن قيل : عليه السلام خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن وبين اختيار الآخرة فيمسكهن لم يقع بهذا الاختيار طلاق حتى يطلقهن ، وعليه أن يطلقهن إن اخترن الدنيا كما طلق فاطمة بنت الضحاك لقوله تعالى : ( إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) ( الأحزاب : 28 ) . والسراح الجميل يحتمل ثلاث تأويلات :
أحدها : أنه الصريح من الطلاق دون الكناية لئلا يراعى فيه النية .
والثاني : أنه أقل من ثلاث لتمكن فيه الرجعة .