الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص10
أحدهما : لعلمه بأنه أقوم بها منهم وأصبر عليها منهم .
والثاني : ليجعل أجره بها أعظم من أجورهم وقربه بها أزيد من قربهم .
وأما التخفيف فهو أنه إباحة أشياء حظرها عليهم ، وذلك لأمرين :
أحدهما : لتظهر بها كرامته وتبين بها اختصاصه ومنزلته .
والثاني : لعلمه بأن ما خصه من الإباحة لا يلهيه عن طاعته ، وإن ألهاهم ولا يعجزه عن القيام بحقه ، وإن أعجزهم ليعلموا أنه على طاعة الله تعالى أقدر وبحقه أقوم فإن قيل : فقول الشافعي ‘ ليزيده بها إن شاء الله تعالى قربة إليه ‘ كان على شك فيه حتى استثنى بمشيئة الله تعالى .
قيل : ليست شكاً وفيها لأصحابنا وجهان :
أحدهما : أنها تحقيق كقوله تعالى : ( سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( الصافات : 102 ) .
والوجه الثاني : أنها بمعنى إذا شاء الله ، وتكون بمعنى ، إذ كما قال تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللهُ آمِنينَ ) ( الفتح : 27 ) .
قال الماوردي : وهذا صحيح ذكر الشافعي ما خص به رسول الله ( ص ) في مناكحه دون غيره لأمرين :
أحدهما : أنه كتاب النكاح فأورد ما اختص بالنكاح .
والثاني : أنه منقول عنه من ‘ أحكام القرآن ‘ فأورد منه ما نص الله تعالى عليه في القرآن ، فمن ذلك وهو ما خص به تغليظاً أن الله تعالى أوجب عليه تخيير نسائه ولم يوجب ذلك على أحد من خلقه ، فقال تعالى : ( يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ، وَإنْ كُنْتُنَّ تُرْدْنَّ اللهَ وَرَسُولََهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فإنَّ اللهَ أَعَدَّ للْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) ( الأحزاب : 28 ، 29 ) ، فاختلف أهل العلم فيما خيرهن رسول الله ( ص ) فيه على قولين :
أحدهما : أنه خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن وبين اختيار الآخرة فيمسكهن ، ولم يخيرهن الطلاق ، وهذا قول الحسن وقتادة .
والثاني : أنه خيرهن بين الطلاق أو المقام ، وهذا قول عائشة ، ومجاهد ، وهو الأشبه بقول الشافعي .
واختلف أهل العلم في سبب هذا التخيير على خمسة أقاويل :