الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص548
يا رسول الله إني رجل مغفل فأين أسم قال : في موضع الجرم من السالفة ، فقال : يا رسول الله اطلب لي طلبة ، قال : ابغني حلبانة ركبانة غير أن لا تولد ذات ولد عن ولدها .
المغفل صاحب الإبل الغفل التي لا سمة عليها والجرم : الزمام .
والسالفة : مقدم صفحة العنق ، والحلبانة : ذات لبن يحلب والركبانة : ذات ظهر يركب ، وروى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب : إن في الظهر ناقة عمياء ، فقال عمر ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها يقطرونها بالإبل ، قلت : فكيف تأكل من الأرض ، قال عمر : من نعم الجزية أم من نعم 1 الصدقة ؟ فقلت الإبل هي من نعم الجزية ، فقال : عمر أردتم والله أكلها فقلت : إن عليها وسم الجزية ، قال : فأمر بها فنحرت الحديث فدل على أن الميسم فعل الأئمة وإجماع الصحابة ، ولأن به تمتاز الأموال مع تميز مستحقها وليكون إذا ضلت سببا لردها فإذا ثبت جواز الوسم ، فالكلام فيه يشتمل على فصلين :
أحدهما : أن يكون الميسم منها .
والثاني : فالذي يكتب عليه .
فأما مكانه فهو كل موضع صلب من البدن وقل شعره ، فإن كان في الإبل والبقر فعلى أفخاذها وإن كان في الغنم فعلى أصول آذانها ، ويكون ميسم الغنم ألطف لأنها ضعيفة لا تصبر من الألم على ما يصبر عليه غيرها ، فأما ما يكتب فإن كانت من نعم الصدقة كان بالخيار بين ثلاثة أسماء ، إما أن يكتب عليها صدقة أو طهرة أو لله ، وهذا أحبها إلى الشافعي تبركا بذكر الله تعالى واقتداء بالسلف ، وإن كانت من الجزية كان بالخيار بين أمرين : إما أن يكتب جزية أو يكتب صغارا ، وهذا اجتهاد الشافعي اتباعا لقوله تعالى : ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ التوبة : 29 ] فأما تمييزها بجدع الأنوف وقطع الآذان فمكروه ، لما روي عن النبي ( ص ) أنه نهى عن المثلة والله أعلم .