الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص521
يملك نصابا ، ولأن ملك النصاب والحاجة معنيان مختلفان يجوز اجتماعهما فجاز اجتماع حكمهما ، وهما أخذ الصدقة منه بالنصاب ودفعها إليه بالحاجة كالعشر ؛ ولأنه لما لم يكن ملك قيمة النصاب من المتاع والعروض يمنع من أخذ الصدقة لأجل الحاجة لم يكن ملك النصاب مانعا منها لأجل الحاجة .
وتحريره أنه ذو حاجة فلم تحرم عليه الصدقة بالقدرة على نصاب كمالك المتاع .
وأما الجواب عن استدلال أحمد بحديث ابن مسعود فهو أنه لم يقصد به تحديد الغنى في جميع الناس وإنما أراد به من كانت كفايته خمسين درهما ، بدليل ما روى أبو سعيد الخدري أن النبي ( ص ) قال : ‘ من سأل الناس وله قيمة أوقية فقد ألحف ‘ يعني لمن كان مكتفيا بها .
وروى سهل ابن الحنظلية أن النبي ( ص ) قال : ‘ من سأل وعنده ما يغنيه فقد استكثر من النار ‘ قيل : وما يغنيه ، قال : قدر ما يغذيه ويعشيه وهذا فيمن يكتسب بصنعته قدر عشائه وغذائه .
وأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بقوله ( ص ) : ‘ أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم ‘ فهو أنه قصد بذلك إنما يأخذه من صدقاتهم ليس يأخذه لنفسه وأهله ، وإنما يرده على فقرائهم من ذوي الحاجات ، وليس يمنع أن يكون المأخوذ منه مردودا عليه كالعامل وابن السبيل ، وكالمأخوذ منه العشر والعشر عندنا زكاة ، وأما إذا كان واجدا للكفاية فتحرم عليه الزكاة لوجود الكفاية لا يملك النصاب فلم يصح قياسهم .
وأما استدلالهم بأنه لا يخلو اعتبار الكفاية من أن يكون بالعمر أو بزمان مقدر فقد اختلف أصحابنا في ذلك ، فكان مذهب أبو العباس بن سريج إلى أنه معتبر بزمان مقدر وهو سنة وذلك أولى من اعتباره بأقل منهما أو أكثر ؛ لأن الزكاة تجب بعد سنة ، فاعتبر في مستحقها لكافية السنة ، وذهب سائر أصحابنا إلى أنه يعتبر في ذلك كفاية العمر ولئن كان العمر مجهولا فالكفاية فيه لا تجهل ؛ لأن كفاية الشهر من أجل معينا أو صنعة تدل على كفاية العمر وإن جهل .
فإن قيل : فقد يمرض فيعجز عن الكسب أو يغلا السعر فلا يكتفي بذلك القدر .
قيل : إذا كان ذلك صار حينئذ من أهل الصدقة كما أنه قد يجوز أن يملك النصاب فيصير من أهل الصدقة .