الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص501
الأبيات إلى آخرها .
فأمر النبي ( ص ) فأعطي مائة بعير فاحتمل إعطاء النبي ( ص ) ذلك له أحد أمرين : ذكرهما الشافعي :
أحدهما : أن يكون قد ظن به حسن النية في الإسلام فمنعه ثم بان منه ضعف النية فتآلفه .
والثاني : أن يكون على حسن نيته لكن خشي نقص الرتبة وحظ المنزلة فأحب المساواة بينه وبين أكفائه فأعطاه مع حسن إسلامه وهذا أشبه الأمرين بشعره ، فهذان الضربان من مؤلفة المسلمين قد تآلفهم رسول الله ( ص ) في حياته ، وفي جواز تآلفهم الآن بعد وفاته قولان :
أحدهما : يجوز اقتداء به ( ص ) مع عموم قوله تعالى : ( والمؤلفة قلوبهم ) [ التوبة : 60 ] ولأن أبا بكر رضي الله عنه لما أتاه عدي بن حاتم الطائي بثلثمائة بعير من صدقات قومه أعطاه منها ثلاثين بعيرا ليتآلف بها قومه ، وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد ، فيمن أطاعه من قومه فلحق به في زهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا .
والقول الثاني : لا يجوز أن يتآلفوا لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله بالقوة والكثرة عن أن يتآلف فيه أحد ، ولأن عمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم ما تآلفوا من مال الصدقات أحدا وقد روى حسان بن عطية : أن عيينة بن حصن أتى عمر فسأله شيئا فلم يعطه فقال : وقل الحق من ربك تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [ الكهف : 29 ] فإن قيل : لا يعطي الكفار فلا مقال وإذا قيل : يعطون تآلفا لقلوبهم ، فعن المال الذي يتآلفون منه قولان :
أحدهما : هو سهم المؤلفة من الصدقات ، فإن النص على سهمهم منها ، ولأن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم ثلاثين بعيرا من صدقات قومه .
والقول الثاني : أنهم يعطون من مال المصالح وهو خمس الخمس من الفيء والغنيمة لأنهم من جملتها ، ويعطون ذلك من الغناء والفقر .
أحدها : أن يكونوا من أعراب أو غيرهم من المسلمين في طرف من بلاد الإسلام بإزاء مشركين لا يقاتلونهم على الإسلام إلا بمال يعطونه ، إما لفقرهم ، وإما لضعف نيتهم وفي مسير المجاهدين إليهم مشقة عظيمة والتزام مال جزيل .