الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص494
يجوز أن يكون وكيلا عليها لغيره ، وإذا كان هكذا لم يخل حال رب المال إذا دفع زكاته ماله إلى الوالي من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يدفعها إلى الإمام الذي هو الخليفة على الأمر .
والثاني : أن يدفعها إلى والي الإقليم الناظر في جميع أموره .
والثالث : أن يدفعها إلى العامل الذي ولاه الإمام قبضها وجعل نظره مقصورا عليها ، فإن تولاه الإمام سقط منها سهم العاملين عليها ؛ لأن ولاية الإمام عامة قد أخذ رزقه عليها من بيت المال فلم يجمع له بين رزقين على عمل واحد ، ولما روى الشافعي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلبن فشربه فأعجبه فقال من أين لك هذا فقال مررت بلقاح الصدقة فأعطونيه فجعلته في سقائي فاستقاءه عمر رضي الله عنه فدل على أنه يحرم عليه مال الصدقة ، ولذلك لم يستبقه في جوفه .
فإن قيل : فما تأثير استقائه بعد استهلاكه ومن أكل حراما لم يلزمه أن يستقيئه .
قيل في استقائه لذلك ثلاثة أمور :
أحدها : أن يعلم الناس تحريم الصدقات على الإمام .
والثاني : أن من أخذ مالا يحل له من مغصوب وغيره فتغير في يده لم يملكه بخلاف ما قال أبو حنيفة .
والثالث : لئلا يستديم الاغتذاء والانتفاع بحرام ، وهكذا لو تولى قبض الصدقات وتفريقها والي الإقليم سقط منها سهم العاملين ؛ لأنهم في عموم ولايته على ذلك الإقليم الذي قد ارتزق على عمله فيه جار مجرى الإمام .
فأما إذا اختص لعامل بقبض الزكاة تفريقها ثبت فيها حينئذ سهم العاملين عليها ليكون مصروفا إلى العامل وأعوانه فيها وإذا كان كذلك وجب أن يوصف من يجوز أن يكون عاملا فيها بها في القبض والتفرقة وهو من تكاملت فيه ست خصال :
أحدها : البلوغ لأن الصغر لا يصح معه قبض ولا تقبيض .
والثانية : العقل الذي يصح التمييز به .
والثالثة : الحرية .
والرابعة : الإسلام لأن الكفر يمنع من الولاية على مسلم لقوله تعالى : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) [ الممتحنة : آية 1 ] وقدم أبو موسى الأشعري من البصرة على عمر بحساب استحسبه عمر فقال من عمل هذا فقال كاتبي فقال : أين هو ؟ هو على باب المسجد قال : أجنب هو ؟ قال لا ، ولكنه ذمي فأمره بعزله وقال : لا تأمنوهم إذ خونهم الله تعالى ، ولا تقربوهم إذ بعدهم الله .