الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص489
ودليلنا قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء ، والمساكين ) [ التوبة : 60 ] فبدأ بذوي الحاجات بالفقراء والبداية تكون بالأهم فاقتضى أن يكون الفقر أسوأ حالا ، وقال تعالى : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) [ فاطر : 51 ] ولم يقل المساكين فدل على أن الفقير أمس حاجة وأسوأ حالا من المسكين ، وقال تعالى : ( وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ) [ الكهف : 79 ] فسماهم مساكين ولهم سفينة ، فدل على أن المسكين أحسن حالا .
وروى أبو زهرة عن النبي ( ص ) أنه قال : ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ، ولكن المسكين المتعفف أقراءوا إن شئتم ‘ لا يسألون الناس إلحافا ‘ فكان هذا نصا في أن المسكين أحسن حالا .
وروى أنس بن مالك أن النبي ( ص ) قال : كاد الفقر أن يكون كفرا ، وكاد الحسد أن يغلب القدر ، فكان هذا نصا على أن الفقير أسوأ حالا .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ، فدل على أن المسكين أحسن حالا .
وروي عن النبي ( ص ) : أنه كان يتعوذ من الفقر اللازب يعني اللازم ، فدل على أن الفقير أسوأ حالا .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ؛ ليس المسكين الذي لا مال له ، ولكن المسكين الأخلق الكسب قال ابن علية : الأخلق الكسب : المحارف ، ولأن في اشتقاق الفقر والمسكنة دليلا على أن الفقر أسوأ حالا من المسكنة .
أما الفقر فقد اختلف في اشتقاقه فقال قوم : هو مشتق من انكسار الفقار ، وهو الظهر الذي لا تبقى معه قدرة .
وقال آخرون : هو مشتق من الفاقة ، ومن قوله تعالى : ( تظن أن يفعل بها فاقرة ) [ القيامة : 25 ] وفيها ثلاثة تأويلات :