الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص486
والضرب الثاني : أن يعدموا في بلد المال ويوجدوا في غير البلاد ، فينقسم حال من عدم منهم في بلد المال ثلاثة أقسام : قسم ينقل سهمهم ، وقسم لا ينقل سهمهم ، وقسم اختلف أصحابنا في نقل سهمهم ، فأما من ينقل سهمهم إلى البلاد التي يوجدون فيها فهم الغزاة ينقل سهم سبيل الله المصروف إليهم من بلد المال الذي فقدوا فيه إلى البلاد التي يوجدون فيها من الثغور وغيرها ؛ لأنهم يكثرون في الثغور ويقلون في غيرها فلم يكتفوا بسهمهم من صدقات بلادهم ، وأما من لا ينقل سهمهم فهم العاملون عليها ؛ لأنهم إذا قعدوا قام أرباب الأموال مقامهم فيها ؛ ولأن سهمهم يسقط مع الحضور إذا لم يعملوا فكيف بهم إذا قعدوا ، وأما من اختلف من أصحابنا في نقل سهمهم فهم باقي الأصناف ، وفيهم وجهان :
أحدهما : لا ينقل اعتبارا بتغليب المكان على الصنف ويقسم على من وجد دون من فقد كما يعتبر عدم الماء في جواز التيمم لمكان عدمه ، ويعتبر حال ابن السبيل بمكان حاجته .
والوجه الثاني : ينقل اعتبارا بتغليب الصنف على المكان فينقل إلى أقرب البلاد التي توجد فيها من فقد من الأصناف ، لأن استحقاق الأصناف لها ثابت بالنص واختصاص المكان بها ثابت بالاجتهاد ، فإذا تعارض كان تغليب ما ثبت بالنص أولى من تغليب ما ثبت بالاجتهاد والله أعلم بالصواب .
قال الماوردي : وهذا كما قال مال الصدقات لا ينصرف إلا في ذوي الحاجات إلا أنها ضربان :
أحدهما : من يدفع إليه لحاجته إليها وهم الفقراء والمساكين والمكاتبون وأحد صنفي الغارمين الذي أذنوا في مصالح أنفسهم وبنو السبيل .
والضرب الثاني : من تدفع إليه لحاجتنا إليه وهو العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم ، وأحد صنفي الغارمين وهم الذين أذنوا في صلاح ذات البين ، والغزاة ، فمن دفعت إليه لحاجته إليها لم يستحقها إلا مع الفقر ولم يجز أن يدفع إليه مع الغنى .
ومن دفعت إليه لحاجتنا إليه جاز أن تدفع إليه مع الغنى والفقر ثم ينقسم جميعهم ثلاثة أقسام : فمنهم من يأخذها ويستحقها بسبب متقدم ، ومنهم من يأخذها ويستحقها بسبب مستحدث ، فأما الذي يأخذها ويستحقها بسبب متقدم فهم ثلاثة أصناف : الفقراء ، والمساكين ، والعاملون عليها ؛ لأن السبب الذي به أخذوا وبه استحقوا هو الفقر والمسكنة والعمل ، وذلك متقدم على الأخذ فإذا قبضوها فقد استقر ملكهم عليها فلا يجوز أن تسترجع منهم وإن زال سبب استحقاقهم .