الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص410
بدر وإذا منعت الآية من الفداء بمال كانت من الفداء بالمن لمن بغير مال أمنع ، وقال تعالى : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) إلى قوله تعالى : ( فخلوا سبيلهم ) [ التوبة : 5 ] فأمر بقتلهم ونهى عن تخليتهم بعد أخذهم وحصرهم إلا بإسلامهم فدل على تحريم المن والفداء ولأنه لما لم يجز المن عليهم بسلاحهم وعبيدهم ولا منع السلاح والعبيد عليهم ، وذلك تبع يقل ضرره قصدا لإضعافهم فكان بأن لا يمن عليهم بأنفسهم ولا يفادوا بمال عن رقابهم أولى ؛ لأن الضرر بهم أعظم ، وإضعافهم بالقتل والاسترقاق أبلغ ولأن المصلحة في حظر المن والفداء ظاهرة ؛ لأنهم إذا تصوروا جوازها عندنا أقدموا على الحرب تعويلا على الفداء بعد الأسر ورجاء المن ، وإذا تصوروا أنه لا خلاص لهم من القتل إذا أصروا كان ذلك أحجم لهم عن الأقدام وأمنع من القتال ، وإذا كانت المصلحة فيه ظاهرة كان ما دعى إليها لازما .
والدليل على جواز المن والفداء ، قوله تعالى : ( فإذا لقيتم الذين كفروا ) إلى قوله : ( فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) [ محمد : 4 ] وقال مجاهد : حتى لا يبقى في الأرض دين غير الإسلام ، فكان المن والفداء صريحا في هذا الآية وليس لهم نسخ ذلك بقوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] لأمرين :
أحدهما : أنه إذا أمكن استعمال الآيتين لم يجز أن تنسخ إحداهما الأخرى ، واستعمالهما ممكن في جواز الكل ، ويعتبر كل واحد منهما باجتهاد الإمام ورأيه .
والثاني : أن الأمر بالقتل على وجه الإباحة دون الوجوب ، وإباحته لا تمنع من العدول عنه إلى غيره ويدل على جواز المن خاصة ما رواه جبير بن مطعم : أن النبي ( ص ) قال لأسارى بدر لو كان مطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له ، وهو لا يقول ذلك إلا لجوازه عنده .
وروى سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال ، فربطوه إلى سارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله ( ص ) وقال : ما عندك يا ثمامة . قال عندي يا محمد خبر إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه ، حتى إذا كان من الغد ذكر مثل هذا . فقال رسول الله ( ص ) أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : ‘ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‘ ، وكتب إلى قومه فأتوه مسلمين وقد من رسول الله ( ص ) على أبي عزة الجمحي يوم بدر على