الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص406
فيهما حبل الحبلة ، ولأنه لما جاز أن يصالحهم على خراجها قبل القدرة جاز أن يكون مخيرا فيها بعد القدرة كالرقاب .
وأما مالك فاستدل بقوله تعالى : ( وللذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) [ الحشر : 10 ] فكان هذا الدعاء منهم لأجل ما انتقل إليهم من فتوح بلادهم التي استبقوها وقفا عليهم ، وبما روي أن النبي ( ص ) فتح مكة عنوة فلم يقسمها وقسم غنائم هوازن ولم يقسم أرضهم ؛ فدل على أن الأرض تصير وقفا لا يجوز أن تقسم ؛ ولأن الغنائم كانت على عهد من سلف من الأنبياء تنزل نارا من السماء تأكلها فأحلها الله تعالى بعدهم لرسول الله ( ص ) ولأمته والنار إنما تختص بأكل المنقول دون الأرضين فدل على اختصاص المنفول بالغنيمة المستباحة دون الأرضين .
والدلالة عليها عموم قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) [ الأنفال : 41 ] وروى مجمع بن جارية أن النبي ( ص ) قسم خيبر بين الغانمين على ثمانية عشر سهما ، وذلك أن الغانمين كانوا ألفا وأربعمائة ، منهم مائتا فارس أعطى كل فارس ثلاثة أسهم ، فكان لهم ستمائة سهم ولألف ومائتي رجل ألف ومائتا سهم ؛ صارت جميع السهام ألفا وثمان مائه سهم فقسمها على ثمانية عشرة منهم ، وأعطى كل مائة سهما ، ولذلك روي أن عمر رضي الله عنه ملك مائة سهم من خيبر ابتاعها ، وقال لرسول الله ( ص ) إني قد أصبت ما لم أصب قط مثله ، وقد أحببت أن أتقرب إلى الله تعالى فقال النبي ( ص ) حبس الأصل وسبل الثمرة ؛ فدلت قسمتها وابتياع عمر لها لمائة سهم منها على أنها طلق مملوك ومال مقسوم .
وروي أن النبي ( ص ) ظهر على بني قريظة ، فقسم عقارهم من الأرضين والنخيل قسمة الأموال .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : عصبة الله ورسوله فخمسها لله ورسوله ثم هي لكم مني إنما قربة ؛ ولأنه مال مغنوم فوجب أن يقسم كالمنفول ، ولأن ما استحق به قسمة المنفول استحق به قسمة غير المنفول كالميراث .
وأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة أن عمر رضي الله عنه شاور عليا عليه السلام في قسم السواد ، فأشار عليه بالترك ، فهو أن عمر رضي الله عنه قسم أرض السواد بين الغانمين ، واشغلوه أربع سنين ثم رأى أن الغانمين قد تشاغلوا به عن الجهاد ؛ فاستنزلهم عنه فنزلوا ؛ وترك جرير بن عبد الله البجلي وأكثر قومه وكانت نخيله ربع الناس ، فأبت طائفة منهم أن