الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص376
قال الماوردي : اختلف أصحابنا في مراد الشافعي بهذه المسألة في الإكراه على أخذ الوديعة .
فقال أبو علي بن أبي هريرة : هي مصورة في مالك مال أراد أن يودعه عند رجل فامتنع عليه فأكرهه على أن دفعها إليه ، فأخذها المستودع منه كرها فلا ضمان عليه وإن كان مكرها في الأخذ ، لأنه مؤتمن إلا أن يكون منه عدوان أو تفريط فيضمن ، لأنه وإن كان مكرها ، فقد صار حفظها عليه بعد حصولها في يده واجب ، فإذا خالفه ضمن ، فإن لم يحسن التزام حفظها سلمها إلى الحاكم ، فسقط الحفظ والضمان عنه بتسليمها إليه إذا كان المالك ممتنعا من استرجاعها .
أحدها : أن يأخذها المتغلب بنفسه من غير أن يدفعها المستودع ولا دلالة عليها ، فهذا غير ضامن لها ، لأنه لا يقدر على دفع الأيدي الغالبة .
والقسم الثاني : أن يدفعها بنفسه مكرها ففي ضمانه وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي سعيد الإصطخري ، لا ضمان عليه ، لأنه لا يلزمه أن يقي مال غيره بنفسه ، كما لو صال عليه فحل فغلبه .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أنه ضامن لها ، لأنه ليس له أن يقي نفسه بمال غيره ، كما لو ألقى في البحر مال غيره ، وقد جعل هذان الوجهان بناء على الوجهين في الصائم إذا أكره على الفطر فأكل بنفسه وتخريجا من القولين في المكره على القتل ، فعلى هذين الوجهين لو امتنع من دفعهما وحلف إنكارا لها فإن جعلناه ضامنا للدفع كانت يمينه يمين مكره لا يتعلق بها حنث ، وإن لم نجعله ضامنا بالدفع حنث .
والقسم الثالث : أنه لا يدفعها بنفسه ولكن يدل عليها فتؤخذ بدلالته فمذهب الشافعي لا ضمان عليه ، لأن الدلالة سبب والأخذ مباشرة ، فصار كالمحرم إذا دل على صيد لم يضمنه ، وقال بعض أصحابنا البصريين : يضمن ، لأنه في الوديعة ممنوع من العدوان والتفريط والدلالة واحد منهما ، فضمن بها وإن كان معذورا .
قال الماوردي : أما نومه على الصندوق من غير أن ينهاه المالك عنه فهو زيادة حرز لا يضمن به إجماعا ، فأما إذا نهاه عن النوم عليه فذلك ضربان :
أحدهما : أن لا يقصد بنهيه التخفيف عنه والترفيه عليه ، فمتى نام عليه لم يضمنه .