الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص371
أقمت بينة بحدوث الخوف ينتقل بها عن الظاهر جعلنا حينئذ القول قولك مع يمينك بأنك أخرجتها بغشيان النار وحدوث الغارة ، وإن لم تقم بينة تنقلنا عن الظاهر غلبنا حكم الظاهر وجعلنا القول قول المودع مع يمينه بالله بأنه لم يحدث في الناحية نارا ولا غارة ، لأن الظاهر معه ، ويصير ضامنا للوديعة ، فأما إن نقلها خوفا من حدوث غارة أو نار فلم تحدث غارة ولم تغشى نار فإن كانت أمارات صدق دعواه ظاهرة ودواعيه غالبة لم يضمن ، وإن كان ظنا وتوهما ضمن .
قال الماوردي : وهما مسألتان :
إحداهما : أن يدعي المستودع رد الوديعة على مالكها .
والثانية : أن يدعي دفعها إلى غير مالكها بإذنه ، فالقول قوله في الرد مع يمينه ، سواء كان المودع قد أشهد عليه عند الدفع للوديعة إليه أو لم يشهد .
وقال مالك : إن كان المودع قد أشهد عليه عند الدفع لم يقبل قول المستودع في الرد ، وإن لم يشهد عليه فقبل قوله استدلالا بأنه إذا لم يشهد عليه فقد رضي بأمانته قبل قوله عليه ، فإذا أشهد عليه لم يرض بأمانته فلم يقبل قوله عليه ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه لما كان قوله في التلف مقبولا مع الشهادة وعدمها ، وجب أن يكون قوله في الرد مقبولا مع الشهادة وعدمها .
والثاني : أنه لما كان قول الوكيل مقبولا في الحالين ، وقول المقرض والمستعير في الرد غير مقبول في الحالين ، كان المستودع ملحقا بأحد الأصلين في أن يكون قوله في الرد مقبولا في الحالين أو مردودا في الحالين ، فلما كان في أحد الحالين مقبولا وجب أن يكون في الآخر مقبولا .
فإذا تقرر مقبول القول في الرد فإنما يقبل ما كان على أمانته ، فلو ضمنها بتفريط أو عدوان لم يقبل قوله في الرد ، وكان القول قول المودع مع يمينه ، وله الغرم ، وهكذا لو مات المودع فادعى المستودع رد الوديعة على وارثه لم يقبل قوله ، لأنه وإن لم يصر بموت المودع ضامنا فقد صار بموته خارجا من عقد الوديعة [ وولاية النظر ، ولأنه يصير مدعيا للرد على غير من ائتمنه فصار كالوصي الذي لا يقبل قوله في رد مال اليتيم عليه ، وهكذا لو مات المستودع فادعى وارثه رد الوديعة ] على المودع لم يقبل قوله عليه ، لما ذكرنا من المعنيين : ارتفاع العقد بالموت ، وعدم الائتمان في الوارث .