الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج8-ص364
أحدهما : وهو قول المروروذي قد سقط الضمان ، لأن الإبراء استئمان .
والوجه الثاني : أن الضمان لا يسقط عن الغاصب بالإبراء قبل الرد ، ولأن الإبراء إنما يتوجه إلى ما استقر من الديون في الذمم لا إلى ما في الأيدي من الأعيان ، وإنما هبات الأعيان لا تسقط ضمانها ، فعلى هذا لو أعادها المستودع إلى حرزها بإذن مالكها كان سقوط الضمان عنه على هذين الوجهين . والله أعلم .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن في وجوب الضمان بكسر الختم وحل الشداد وجهان : فأما إذا أودع دراهم غير مختومة ولا مشدودة فأخرج منها درهما لينفقه قد ضمنه وحده ، ولا يضمن غيره ، فإن رده بعينه ولم ينفقه لم يسقط عنه ضمانه ، فإن خلطه بالدراهم ، نظر فإن تميز عنها ضمنه وحده ولم يضمن جميع الدراهم وإن لم يتميز عنها ففي ضمان جميعها وجهان :
أحدهما : يضمن جميعها ، لأنه قد خلط مضمونا بغير مضمون فصار بذلك متعديا فضمن الجميع وهذا مذهب أبي حامد المروروذي ، والبصريين .
والوجه الثاني : لا يضمن ، لأن كل ذلك مال واحد قد آثر مالكه خلطه فلم يكن في خلطه خلاف غرضه ، وهذا مذهب أبي علي بن أبي هريرة والبغداديين ، وإن أنفق ذلك الدرهم ورد بدله وخلطه بالدراهم فلا يخلو حال ذلك الدرهم الذي رده بدلا من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن لا يتميز من جميع الدراهم ، فيصير بخلطه متعديا في الجميع ، لأنه قد خلط الوديعة بمال نفسه ، فصار ضامنا بجميعها .
والقسم الثاني : أن يتميز ذلك الدرهم دون غيره مما يتميز ويصير كمن خلط دراهم الوديعة بدنانير نفسه عن جميع الدراهم فليس عليه إلا ضمان ذلك الدرهم دون غيره .
والقسم الثالث : أن يكون ما يتميز عن بعض الدراهم ولا يتميز عن بعضها ، مثل أن تكون بعض الدراهم بيضاء وبعضها سوداء ، والدراهم المردودة فيها أبيض أو أسود ، فيضمن من ذلك ما لا يتميز عن الدرهم المردود بدلا ، ولا يضمن ما تميز عنه .